You Create, We Appreciate

صابر مرزوق يكتبــ: القط .. (القصة الفائزة بمسابقة د. نبيل فاروق)

صابر مرزوق يكتبــ: القط .. (القصة الفائزة بمسابقة د. نبيل فاروق)
  • الكاتب والروائي : صابر مرزوق
    الكاتب والروائي : صابر مرزوق

    بابا أريد أن أقتني قطاً

قالتها ابنتي الصغيرة التي اقترب عيد ميلادها الخامس والمفترض أنه بعد يومان , لذا تشبثت بسروالي من أسفل وهى جالسة على الأرض تلهو بألعابها وعرائسها المبعثرين على أرضية غرفتها فضحكت فقلت لها

  • ولماذا قطة ؟ ألا تريدين لعبة غالية الثمن فى عيد ميلادك؟

قالت لي وهى تقطب حاجبيها وتتحدث بلهجة الذى يشتكي من شخص ما وهي عادتها كلما طلبت شيئاً

  • سميرة ابنة عمي لديها قطة وصديقاتي فى المدرسة لديهن قطط بدورهن  وهناك حازم إبن (عمو) سليم جارنا لديه قطة  وهناك أيضا بعض الجيران لديهم كلاب  فلماذا لا يكون عندي قطة ذات فراء سميك ؟

ضحكت وقلت لها :

  • ألم أقل لكِ أنه من السيء أن ننظر لما هو فى يد غيرنا ؟

نظرت إلي ولم ترد فقلت :

  • حسناً سأفكر في الموضوع

تهللت أساريرها وقفزت فرحاً تتعلق برقبتي وهى تقول منهالة بالقبلاتِ على وجهي :

  • أشكرك يا أبي أشكرك كثيراً

فهى تعلم أنني طالما قلت لها سأنظر في الموضوع فهذا معناه موافقة نهائية .

وتركتني وطارت للخارج وصوتها يعلو مناديةً :

  • ما ما بابا سيشتري لي قطة ذات فراء سميك

ضحكت حتى دمعت عيناي من براءتها وأنا أقول فى نفسي :

  • برغم أننى أكره القطط سأفعلها من أجل هذه البسمة .

                      **********************

وقفت خارج محل القطط على الرصيف المقابل أنظر إليه بتركيز  وهو يضع على واجهته بعض القطط والكلاب داخل أقفاص يبدو أن عمرها صغيراً نسبياً وبعد عشر دقائق حسمت أمري وعبرت الشارع مقتحماً المحل فى صمت  وعلى مكتب صغير جلس شيخ عجوز توجهت له مباشرة وقلت له:

  • أريد شراء قط مميز ذى فراء سميك.

رفع عينيه ونظر لي نظرة فاحصة  نظرة خبير يقيم الزبون حتى يضع السعر المناسب الذى سيدمر أعصابه به بعد قليل

  • هل هناك نوع معين تفضله؟

قلت له وأنا أضع يدي فى جيبي أتحسس المبلغ الذى هيأته لهذه العملية  التي فى نظري تفوق عمليات المخابرات شديدة الخطورة :

  • أنا لست خبيراً فى أنواع القطط ولكن ابنتي تريد قطاً مميزاً ذو فراء سميك ويكون عمره صغيراً نسبياً.

قال لي وهو ينهض من مكانه بصعوبه :

  • اتبعنى سأريك بعض العينات

سرت خلفه بخطوات بطيئة وهو يعرض علي الأنواع الواحد تلو الآخر  ولكنني كنت أبحث عن شيء مميز غير موجود في القطط الشهيرة   وسرعان ما نقلت هذه الفكرة على لساني فابتسم وقال لي :

  • هناك عينة مميزة جداً لم يراها أو يقتنيها أحد من قبل ما رأيك؟

قلت له وأنا أبتسم وأنا أٌقول لنفسي  (ها هو ذا بدأ ينسج شباكه حول الزبون ليرفع السعر كما يريد                فعينة لم يقتنيها أحد من قبل تعني بالمقابل نقود لم يدفع مثلها أحد من قبل ) :

  • نعم أرني إياها

توجه الى نهاية المحل بخطواته البطيئة وأنا خلفه حتى توقفنا عند بيت خشبي صغير داخله قفص كبير الحجم يصل ارتفاعه الى نصف المتر تقريباً وقال :

  • ها هو ذا

انحنيت حتى أستطيع أن أرى ما بداخل البيت  وميزت زوجاً من العيون يبرقان فى الظلام الذى يحيط البيت من الداخل  ولكني لم أستطع تمييز شىء معين

  • أين هو لا أرى شيئاً؟

قال لى وهو يبتسم :

  • هو خجول للغاية ولكن عندما يعتاد عليك ستجده ينام على فراشك بجانبك

مد يده وتناول القفص بما فيه وناوله لي وقال :

  • خمسون جنيهاً فهذه السلالة مهجنة  وهي سلالة غير منتشرة على الإطلاق  لذا سعرها منخفض بين السلالات

تهللت أساريري لعدم توقعي ذلك المبلغ الصغير  فقد كنت أضع للموضوع رقما فلكياً  وناولته الخمسون جنيهاً فتناولها ووضعها في جيب بنطاله وتناول من جيب قميصه بطاقة قدمها لي وقال:

  • هذه بطاقة المحل بها الإسم والعنوان وأرقام الهواتف إذا كان لديك أي إستفسار حول القطط وطرق تربيتها فاتصل بي ولا تتردد

تناولت البطاقة ووضعتها في محفظتي وأخذت القفص بما فيه وشكرته  وانطلقت الى السيارة ووضعت القفص فى المقعد الخلفي وانطلقت متوجهاً الى البيت لأفاجيء صغيرتي بما جلبته لها

كنت أقود عندما بلغ الى مسامعي صوت مواء عجيب ما هو بمواء قط أو حشرجة وحش من وحوش الغاب.

 

 

إختلست النظر عبر المرآة للقفص الموضوع على الكرسي الخلفي فخيل لى أنى لمحت ذيلاً يدخل سريعاً الى البيت ويختفى داخله   العجيب أنه خيل لى أن هذا الذيل أحمر اللون كالدم القاني

قلت فى نفسي   هذه انعكاسات ضوء   ونسيت الموضوع برمته

                  ********************************

انتهى حفل عيد الميلاد المتواضع الذى أقمته لنوال والذى ضم بعض أفراد أسرتي وأسرة زوجتي وبعض صديقاتها والجيران   وبعد الفتك بكل الحلويات والجاتوه وتقديم الهدايا والمرح والمجاملات انصرف الجميع   فرميت نفسي على كرسي الصالون منهكاً وزوجتي تقول :

  • كان يوم شاق

قلت لها وأنا أغمض عيني مرجعاً رأسي للخلف:

  • نعم أنا مرهق للغاية

جائت نوال وهىَ تقول ممسكةً بعلبةٍ مربعةٍ مزركشةَ بالألوان :

  • أين هديتي يا أبى  الكل قدم لي هدايا إلا أنت

قلت لها :

  • أدخلي غرفتك و ستجدينها أمامك

طارت طيراناً الى غرفتها وأنا خلفها أجر قدميَ جراً  وفتحت الباب فوجدت القفص إياه أمامها على مكتبها الصغير بداخله البيت الخشبي

أخذت تتأمله فى صمت ونظرت وقالت :

  • ما هذا

قلت لها :

  • القط الذى أردتيه

قالت لي وهى تدور حول القفص

  • أين هو

قلت لها وأنا أستعير عبارةَ العجوز :

  • هو خجول نوعا ما  عندما يعتاد عليكِ سينام فى فراشك بدلاً منكِ

وتناولت علبةً مكتوباً عليها طعام للقطط والكلاب وفتحتها ووضعت محتوياتها فى طبق صغير وفتحت باب القفص ووضعته داخله أمام البيت الخشبي القابعُ بداخله الحيوان ذو الخمسون جنيهاً والذى لم أتشرف برؤياه حتى الآن

  • هيا بنا نساعد ماما ونفتح الهدايا

قلتها وأنا أجذبها من يدها الصغيرةِ مندفعانِ نحو الصالةَ

وبينما أغادر الغرفة خيل إليَ أنني أسمعُ زئيرُ نمرٍ يستعد لالتهامِ فريستهُ   أو حشرجةُ ديناصور تأتي من القفص كما سمعتها فى فيلم حديقة الديناصورات .

 قطعاً  أنا مجهد

                    ******************************

 

صرخة هائلة انتزعتني وزوجتي من نومنا ورأسي  يضربها آلاف المطارق   ميزت صرخات نوال فانطلقت وأمها الى غرفتها وأضئنا النور لأجد نوال واقفة في نهاية السرير ملتصقة بالجدار  فاندفعت إليها واحتضنتها وأنا أقول :

  • ماذا حدث يا نوال ؟

قالت وهي تبكي وتشير الى القفص :

  • أبي هناك عفريت فى القفص!

نطرت الى القفص فوجدته ساكناً لا يوجد به أي أثر للحياةِ فقلت لها :

  • صفي لي ما حدث بدقة

قالت وقد بدأت تهدأ نوعاً ما :

  • كنت نائمةً فاسيقطت على صوت حشرجةٍ مفزعةٍ  فنظرت الى القفص فوجدتُ عينانِ مضيئتانِ تنظرانِ لي بثبات   وصوتُ الحشرجةِ يعلو ويزداد   ثم انقلب الصوت الى صراخٍ عالٍ   ولمحت على الضوء القادمِ من النافذةِ شيءٍ ما واقفٍ واضعاً يده ذاتَ المخالب على القفص يحاول الخروج .
  • بسم الله الرحمن الرحيم  هذا كابوس يا بنيتيِ

قالتها زوجتي وهي تحتضن نوال فى صدرها  فتركتها وتوجهت الى القفص ونظرت له فى صمت    لم ألحظ أي شيءٍ غريبٍ داخل القفص   نظرت الى نوال وقلت لزوجتي:

  • خذيها تنام فى حجرتنا وسألحقُ بكما

حملتها وغادرا الحجرةَ فأغلقتُ البابَ وجلستُ على طرفِ السريرِ أتأملُ زوجَ العيونِ التى تضيءُ كلما انعكسَ عليها الضوءُ داخل البيت .

  • أيها القط الغامض  أي سر تحمله

وبدأت أفكر في أشياء كانت بعيدةٌ عن بالي

كيف لم يخرج هذا القط ولا مرةُ ولو حتى لمشاهدةِ البيتِ الجديدِ الذى انتقلَ إليه؟

ألا يبدو عليه الفضولُ أبداً   نهضتُ مغادراً الحجرةَ وانتبهتُ الى شىءٍ عجيبٍ لم أنتبه إليه من قبل .. هذا القط لم يتناول طعامه  بل لم يتناولُ أي طعامٍ منذ جاءَ هنا   وأغلقتُ البابَ خلفي بمنتهى الهدوء

                  ********************************

فى اليوم التالي عزمتُ أمراً

عدتُ من العملِ باكراً وكانت نوال وزوجتي فى زيارةِ أمها المريضةِ وسيبيتانِ عندها عدةَ أيامٍ لرعايتها  

 دخلتُ الغرفةَ وبيدي لُفافةَ   وتناولتُ القفصَ ووضعتهُ على الأرضِ وجلستُ القرفصاءَ بجانبهِ فى مشهدٍ ذكرني بعبدِ السلامِ النابولسي وهو يترجى عفاركوش ليخرجَ من المصباحِ

وفتحتُ اللفافةَ وأخرجتُ منها سمكةً مشويةً لذيذة

وفتحتُ بابَ القفصُ ووضعتها على مبعدةٍ من بابِ البيتِ الخشبي القابعُ بداخله القطَ الذى لم يرهُ أحدٌ من قبل

وجلستُ أنتظر

  • أخرج من حيثُ أنتِ دعني أراكَ

العجيب أني كنتُ مترددٌ لمد يدي داخلَ البيتُ الخشبيُ للإمساكِ به

قد يكونَ شرساً ويتسببَ في جروحٍ لي ولستُ على استعدادٍ لذلك

ولكن القطَ لم يخرج   غريب هذا   سأنتظرُ قليلاً ربما كان خائفاً

وانتظرتُ وانتظرتُ

 

خمس دقائق    عشرة    ثلث الساعةَ

هذا كثيرٌ

 وضعتُ يدي على خدي وأرحتُ رأسي

 وبينما أنا جالسٌ غفلتُ ثوانٍ ومالت رأسي فكدتُ أسقطُ وأنا جالسٌ على جانبي

 فانتبهتُ وأفقتُ ورأيتُ

 ماذا رأيتُ

السمكةَ تم جذبها للداخلِ إلا جزءُ أخيرُ منها تجذبه يدٍ ذاتَ فراءٍ كثيف

ليس هذا هو الغريبُ يا سادةَ

 الغريب هو أن هذه اليد كانت لحيوانٍ ذو مخالبٍ غريبةٍ حادةٍ وطويلةَ  لا تمت للقطط التي نعرفها بصلةِ والفراءُ لونه أحمر كالدمِ القاني

وهنا بدأتُ أسمعُ الصوتَ إياه

 صوتَ حيوانٍ يزمجرُ بصوتٍ يشبه الديناصورات كما سمعتها في فيلم حديقةِ الديناصورات

هذا الذي داخلَ القفصُ ليسَ قطاً

إنه شيءٌ عجيبٌ لم أرى مثلهُ من قبل .

                *******************************

  • إن كنتَ أنتَ ذكي قيراط  فأنا أذكى منكَ أربعةٌ وعشرون

قُلتُها وأنا أحملُ القفصَ وأضعهُ في غرفةِ مكتبي

 ثمَ فتحتُ اللاب توبَ الخاصُ بي ووضعتهُ على مبعدةٍ من القفص

 وفَعّلتُ برنامجَ الكاميرا

وبرمجتهُ على أن يسجلَ كلَ ما يدورُ أمامه

 فى الصباح سيكون عندى فيديو لهذا الشيء وأعرفُ شَكلَه

ثم وضعتُ وركَ دجاجةٍ مشويةٍ أمامَ القفص من الخارج

هذه المرةُ لن أضعُ الطعامَ داخلَ القفص

ونظرتُ الى الشاشةِ لأتأكدَ أنها تسجلُ كلِ ما يدورُ لحظةٍ بلحظة

 ووضعتُ الشاحنث فى الكهرباءِ حتى لا يفصلُ الجهازُ وينطفيء

 الآنَ نصبتُ الشِركَ

 ورائحةَ الوركُ المشويُّ تخترقُ أنفي

 فما بالكَ بحيوانٍ بدائيٍ بريٍ أَوّلِيِ

حتماً سينهارَ ويخرجَ من وكرهِ ليرى طريقةً يحصلَ بها على المعلوم

 

والآنَ أنامُ وأتركُ الطبيعةَ تعمل.

                                 **********

استيقظتُ فى الصباح

وأول ما فعلتُ هو أني توجهتُ الى القفصِ لأرى ماذا حدث

ومن النظرةِ الأولى شعرتُ بأنَّ هناكَ شيءٍ خارقٍ حدث

فخذ الدجاجة لم يعد في مكانه  وباب القفص مغلقُ لا يوحي بأيِّ شيءٍ يتحركُ داخله

أين ذهبَ الفخَ ومن أكله ؟

 توجهتُ الى اللاب توب فوجدّتهُ ما زالَ يصور

 إذاً الفيلم تم تصويره

 انحنيتُ لأرى أيَّ معالمٍ للفخِ المشويِّ داخل القفصِ فلم أجدُ أيَّ شيءٍ ولا حتى عظمةً صغيرة

ثم كيف سيخرج هذا الحيوان ليأخذ الطعام ويعود به الى داخلِ القفص ويغلقه كما كان

تناولتُ القفصَ ووضعتهُ فى ركنِ الصالةِ وسحبتُ اللاب توب الى حقيبته

 قريباً سأرى ما الذى حدث

أما الآنَ فإلى العملِ

 ولم أنسَ الاتصالَ بزوجتي للاطمئنانِ على والدتِها  وإلا سأكونَ الزوجَ المقصرَ الذي لا يهتمُ إلا بنفسه.

                 *************************************

الليلة ممطرة والبرد يتغلغل الى عظامي

 ارتديت ملابس ثقيلة وتوجهت الى غرفة المكتب حيث وضعت القفص واللاب توب هناك

 فمنذ الليلة السوداء وابنتي تخشى مجرد الاقتراب منه   ووضعت اللاب توب أمامي وفتحت الفيلم المصور

 كل شيء ساكن

 أين أنت أيها القط الخارق

أخذتُ أقدِّم الفيلم للأمام حتى وصلت الى منتصفه تماماً

وهنا وجدت ما كنت أبحث عنه

 بدأ شيء ما يخرج من البيت الخشبي    لمحت قدم صغيرة حمراء مخلبية تتقدم بحذر يتبعها مقدمة وجه شبيه بالقطط    العيون المضيئة تلمع فى الفيلم و

ووقف الشعر على ساعديّ

وشعرت بقشعريرة بارده تسري فى عمودي الفقري    فما أراه ليس من عالمنا بالتأكيد    لقد خرج الحيوان خروجاً كاملاً خارج البيت   للوهلة الأولى وهو يمشي على أربع تحسبه قطا مشوهاً   حتى اللحظة التي انتصب فيها واقفاً على قوائمه الخلفية    ليست قوائم بل قدمين   نعم قدمين بشريتين فى منتهى الصغر ذات مخالب طويلة ويدين مشوهتين ذات مخالب حادة ووجه يجمع ما بين القط والبشر   وذيل طويل نوعاً ما يتحرك حركات عشوائية   وأخذ يتشمم الهواء ثم توجه الى القفص ومد يده المخلبية الصغيرة وحرك القفل وغادره   وأخذ يلتهم الورك المشوي بمنتهى الوحشية .

وبعد ما انتهى تأكد أنه لم يترك أثراً حول الطبق وعاد مرة أخرى الى القفص وأغلقه خلفه ودخل الى البيت

لم أستطع أن اتحرك من مكاني   ما الذى جلبته الى بيتي ؟

أغلقت اللاب توب لأنظر الى القفص الموضوع خلفه على المكتب  فَأَجفَلتُ    لقد غادر القفص ووقف أمام بابه ينظر لي في صمت .

التقت عينانا وطال اللقاء كل منا ينتظر حركة الآخر   وكان أول من تحرك هو   قفزعالياً  منقضّاً على رقبتي محاولا التهامي وبرد فعل غريزي انحنيت فمر من فوقي وصرخته تصم أذني

 وجائت انحنائتي مفاجئة فسقطت بالكرسي على الأرض

وهذه المرة لم أستوعب ما حدث

 لقد غرس أسنانه ومخالبه في ساقي

فصرخت مع الحريق الذي شعرت به فى ساقي يتصاعد الى مخي بسرعة غريبة .

وسمعت صوت اصطدام شيء ثقيل بالأرض

اللاب توب سقط وعلى ما يبدو أنه انكسر   فمددت يدي فتناولته وطوحت به بقوة فاصطدم بالوحش فطار الى ركن الغرفة وتخلى عن ساقي التي سال منها الدم بغزارة

ودون أن أضيع لحظة واحدة اندفعت خارج غرفة المكتب وأغلقت الباب خلفي بإحكام

بقيت مستلقياً على ظهري قليلاً وأنفاسي تتلاحق..يجب أن أسيطر على نفسي

زوجتي وابنتي يجب أن أتصل بهما   يجب ألا يأتيا الى البيت

سمعت صوت زمجرة مُتَحَشرِجَة ومخالب تحاول تمزيق الباب

دقات قلبي تتسارع من هول ما واجهت,نظرت الي ساقي التي تنزف   فوجدت أسنان الوحش مزقت جزءً من لحمها

يجب إيقاف الدم وإلا سأفقد الوعي وهو شئ حتماً لا أريده أن يحدث الآن .

جَرجَرتُ نفسي الى الحمام وفتحت صندوق الإسعافات وتناولت منه زجاجة مطهر سكبتها على الجرح ولففتها بشاش طبي وقطن   الآن وقف النزيف

صوت الصراخ المتحشرج يتعالى والخَمَشات على الباب تزداد قوة  هاتفي المحمول   ين هاتفي المحمول؟

 لحسن الحظ لم آخذه معي الى المكتب وتركته بجانب فراشي  دخلت غرفة النوم وتناولت الهاتف وأخرجت البطاقة التي قدمها لي البائع العجوز من محفظتي  نعم هو من باعني هذه المصيبة وهو من يملك التفسير والحل  اتصلت برقم المحمول المدون على البطاقة   الهاتف يرن   يرن   وطالت الرنات   الوقت متأخر والفجر اقترب

  • رد علي أيها العجوز الأحمق

وأخيراً جائني صوته الواهن يتسائل من هناك.

  • لقد بعتني وحش أيها العجوز الأحمق أي مصيبة قدمتها لي ؟

جائني صوته متحشرجاً

  • عم تتحدث يا بني ؟ أنا لا أفهم شيئاً
  • القط الأحمر الغريب الذي بعتني إياه ليس قطاً بل وحش غريب لم أرى له مثيل وهو يريد الفتك بي الآن من أين جئت به وماذا يكون؟

طال الانتطار وسمعت صوت شخص آخر يتحدث ثم جائني صوت شاب يقول:

  • سيدي لقد بحثت عنك كثيراً منذ شرائك للقط ..اعطني عنوانك بسرعة واعزل هذا الحيون عنك وعن كل المحيطين بك لسلامتكم.
  • من أنت يا فتى وهل تعرف هذا الوحش وماذا يكون؟
  • أنا ابن الشيخ وأعرف ماذا تواجه سيدي الأمر خطير   ما تواجهة حيوان نصفه ليس من عالمنا ويتمتع بالذكاء والشراسة   اعطني العنوان بسرعة ولا تضيع الوقت وسأفسر لك كل شئ عندما نلتقي.

ألقيت إليه العنوان فقال

  • لست بمبعدة عني نصف ساعة وسأكون عندك   اتبع نصيحتي فالنار تخيف هذا الحيوان بشدة ولا تترك له متسعاً لمغادرة البيت وإلا ستكون العواقب وخيمة.
  • لقد حبسته في غرفة المكتب ولا أعتقد أنه يستطيع مغادرتها ولا يوجد بغرفة المكتب نوافذ.
  • سيدي صدقني لا يوجد أي باب يستطيع احتواءه  عموما كن حذراً أنا في الطريق إليك.

وانغلق الخط..

لا يوجد باب يستطيع احتواءه   ما معنى هذا؟

لماذا توقفت الزمجرات والخمشات على الباب

 خرجت بحذر من غرفة النوم ولاح لي باب غرفة المكتب في نهاية الطرقة   ما هذا ؟

فجوة صغيرة في الباب من أسفل تكفي لعبوروحش صغير مثله  لقد اخترق الباب بالفعل

ظل يحفر عبره بمخالبه حتي صنع فجوة تكفي لعبوره  السؤال الجوهري الهام جداً في نظري الآن   أين ذهب هذا الوحش العجيب؟

 دوى الرعد في الخارج ليضع للمشهد صورة عجيبة وقلبي يدوي معه في الداخل وأنا أبحث بنظري في المكان   وهنا لمحت الظل

 ظل القط الأحمر العجيب يرتمي على الجدار   ارتفع نظري ببطء الى سقف الطرقة فوجدته متشبثاً في السقف بمخالبه الحادة وعيناه تبرقان بشدة

وأطلق صوت حاد عجيب وانقض من السقف في مشهد أقل ما يوصف أنه رهيب

باب الحمام مفتوح بجانبي فألقيت نفسي بداخله فتجاوزني الوحش واصطدم بالأرض ثم وقف منتصباً على قدميه الشبيهة بأقدام البشر وهم باقتحام الحمام   فضربت الباب بقدمي لينغلق الباب عليَّ من الداخل ويحجز الوحش عني في الخارج

كان الوعي يتسرب مني مع الألم الرهيب الصادر من جرح ساقي وعبارة واحدة تتردد في رأسي

لا يوجد باب يستطيع احتواءة .

لا يوجد باب

لا يوجد

لا

وفقدت الوعي

                      *************************************

الطَنين

 طَنين رهيب يدوي في أذني وتسلل الوعيَّ إليَّ والصداع يتعالى مع الطنين

صوت الرعد في الخارج ينذر بالويل

لا أعتقد اني غبت عن الوعي كثيراً   نظرت الى ساعة هاتفي الذي تشبثت به للنهاية   لقد فقدت الوعي لدقائق فقط    صوت ارتطام قوي بالباب   الوغد يحاول العبور لالتهامي   لستُ وجبةً سهلةً أيها الوغد

لا بد لي من سلاح   لا بد من فكرة للقضاء عليه

نظرت حولي للبحث عن أي شئ يصلح كسلاح أو يوحي إلي بفكرة فلم أجد  حمامنا كأي حمام

وهنا دوى صوت الشاب في رأسي فجأة

النار تخيفه بشدة

نعم هذا هو الحل

سأحرق هذا الوغد

فتحت صندوق أدوات الإسعاف   وتناولت منه زجاجتين من الكحل الأبيض   ولحسن الحظ كان هناك علبة ثقاب للطوارئ في الصندوق.

الوغد يضرب الباب بمخالبه يحاول اختراقه وضرباته قوية تمزق الباب بالفعل.

بسرعة تناولت زجاجة مليئة بالصابون السائل المعطر وسكبتها في أرض الحمام الزلقة

وتناولت زجاجتي الكحل وأفرغتهما في جردل فارغ

الفجوة تتسع مع ضربات الوحش  وقد عبرت مخالبه وبدأ يقرض الباب كأي وحش يحترم نفسه يريد اختراق باب خشبي يحجبه عن وجبته

هيا أسرع أيها الوغد لا تتكاسل

وقفت ممسكاً بجردل الكحل وفي يدي قطعة قطن مببلة بالكحل أيضاً .

واندفع الوحش من الفجوة تجاهي يريد التهامي  ودخل منطقة الصابون السائل فانزلق واختل توازنه وبسرعة لم أضيع الفرصة فسكبت عليه الكحل وأشعلت قطعة القطن في يدي وألقيتها عليه   لم أشأ المخاطرة بعود الثقاب وحده فهو دائماً ينطفئ في الأوقات الحرجة.

واشتعل الوحش   ودوت صرخة رهيبة رددتها جدران الحمام .

صرخة وحش أحمر يحترق .

وحاول النهوض والخروج من الفجوة لكنه كان يختل توازنه ويسقط بفعل الصابون على أرضية الحمام الزلقة  

وهدأت حركته رويداً رويدأ   واستكان جسده ورائحة الشواء تتصاعد منه خانقة كريهة

وسمعت صوت الطرقات على الباب مصاحبة لرنين الجرس

يبدو أن الشاب قد حضر  خرجت من الحمام بحذر أستند على الجدران حتى فتحت الباب فوجدت شاب في الثلاثينات هادئ الملامح يبدو عليه القلق  

وفور رؤيتي اندفع يسندني كي لا أسقط

  • لقد مات أحرقته في الحمام
  • ماذا؟

قالها مرتاعاً واندفع داخل الشقة وبحث عن الحمام ونظر الى الوحش المحترق على أرضيته وتنفس الصعداء ثم عاد لي وقد جلست على باب الشقة  

  • سيدي هل جرحك هذا الوحش أو أصاب أحد بأية أضرار؟

نظرت له نظرة خاوية ودخلت وأغلقت الباب خلفي وارتميت على أقرب كرسي لي:

  • الحمد لله زوجتي وابنتي عند أمها ولا يوجد سواي وإلا لكانت ستصبح مأساة,ما هذا الوحش ومن أين جاء.؟

جلس على كرسي مقابل لي وقال:

  • هو تجربة علمية ذات يوم وجدت بقايا نيزك في منطقة مقفرة على الطريق الصحراوي ووجدت فيه عينة حية  أنت تعلم أن النيازك هي بقايا كواكب متفجرة كانت تعج بالحياة يوماً  ووجدت كائن حي وحيد الخلية مُتحوصِل في بقايا النيزك   بالمناسبة أنا طبيب بشري  ولاحت لي الفكرة أن أحقن هذا الكائن في حيوان للتجربة فحقنته في قط كان أبي يضعه في متجره يبدو أنه من سلالة غير منتشرة فلا أحد يريد شراءه   ثم جئت أنت قبل أن أنقله لأتمم التجارب عليه واشتريته وكان أبي لا يعلم شيئاً عن تجربتي   لقد نتج عن اندماج هذا الكائن بالقط تغير غريب في صفات القط النفسية والفسيولوجية  وتحول لونه الى اللون الأحمر العجيب وزادت شراسته وأظهر ذكاءاً ملحوظاً   وقد بحثت عنك كثيراً فلم أستطع العثور عليك حتى اتصلت بأبي وأعطيتني العنوان  الآن راحت تجربتي بلا جدوي ..كنت أنشد اكتشاف شيئاً يوصلني للشهرة والثراء .
  • أعتقد أنك كنت تنشد شيئاً يؤدي الى كارثة يا دكتور

نهضت مترنحاً ودخلت المطبخ وتناولت كيساً بلاستيكيا سميكا وتوجهت للحمام ووضعت فيه جثة القط بحذر وأحكمت الكيس وناولته للدكتور الشاب :

  • الآن خذ تجربتك السعيدة من هنا قبل أن أبلغ الشرطة

تناول الكيس وتنهد قائلاً:

  • سيدي آسف لما حدث فلم أقصد أن

قاطعته قائلاً:

  • لا عليك لا عليك فقط أريد أن أرتاح أرجو المعذرة فقد مررت بتجربة قاسية .

طأطأ رأسه وغادر الشقة بدون كلمة زائدة  

وتوجهت الى الحمام التي احترقت أرضيته  

ستقتلني زوجتي  حتماً لن تصدق قصة النيزك هذه والوحش الهجين مع كائن من خارج عالمنا.

نظرت الى مرآة الحمام لأرى وجهي

ما هذا الاحمرارُ الغريب الذي ألاحظه في بشرتي

(سيدي هل جرحك هذا الوحش أو أصاب أحد بأية أضرار؟)

ترى لماذا سألني هذا السؤال

ثم لماذا لا أشعر بألم في جرح ساقي

لا يهم  المهم أن هذه المصيبة قد انتهت

بدأت أزيل الشاش من حول الجرح لأنظفه بدقه

غريب

أين اختفى الجرح

وما هذه الشعيرات الحمراء التي نمت مكانه

وهنا بدأت أفهم

لااااااااااااااااااا

وانطلقت صرختي تنافس صراخ السماء بهزيم الرعد

Related Posts
1 Comment

[…] صابر مرزوق يكتبــ: القط .. (القصة الفائزة بمسابقة د. نبيل… […]

Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp