كلما تعرفت بصديقٍ وأنِست له، وتحادثنا بكل أريحية أخبرته بعيوبي وبما يضايقني منه، فيبتعد.
وكلما واعدت امرأة بادرتها بملاحظاتي، أو أجبت سؤالها عن مظهرها بصراحة فجّة: كأن ملابسها غير متناسقة مثلًا، أو أن الروج غير مناسب لجمال شفتيها، أو أن ضحكتها الصاخبة غير لائقة بنعومة صاحبتها؛ فرّت هاربة وهي تخفي في جوفها لعنات لا تحصى.
لم تجعل لي صراحتي صديقًا ولا أليفًا، فأخذت أدور على المقاهي، أتابع الرواد والمارة، ألتمس الونس عند الغرباء، وحدث أن استمعتُ ذات مرة لجارٍ لي يخبر صاحبه، أن الناس لا يحبون الصادقين إلا إذا مَدحوا، لم أقتنع في حينها.
ولكن حين أكلتني الوحدة، وتعلمت أن الكلمة المكتومة، يصلح أن تخرج دموعًا.. أدركت أن الكتمان حلال، والكذب المفضي إلى الونس يجوز.
ومنذ ذلك الوقت، و كلما هممت بقول الصدق؛ استأذنت رفيقي، أو صديقتي، وذهبت إلى المرحاض، وبكيت.. بكيت بحرقة حتى أهدأ، ثم أعود إلى مكاني يكسوني الهدوء.
وهكذا أصبحتُ صديقًا مؤتنسًا.. وأليفًا مرغوبًا.
وزبونًا دائمًا عند المراحيض العامة. و باعة المناديل الورقية.