مصطفى يونس يكتبـــ: ثلاث قصص.

سكرٌ بيِّنٌ

استلقى على الشاطئ في انتشاء.. العالم ملك يمينه.. يأمر الشمس فتتسلل خلف الأفق في خضوع ويعم الليل الدنيا بنجوم براقة فيجد شيئا ليسليه.. يشير لنجمة في مكان ما من صفحة السماء فتنطفئ ويشير لمكان آخر فتنبت أخرى أكثر بريقا ويشير ويشير فيصف النجوم على هيئات شتى من الأشكال والأسماء.. العالم كله يشاهد ما يفعله بسمائهم (استمتع جدا بمجرد التفكير في هذه الفكرة).. تخيل ملامح الاستغراب والدهشة على وجوه الساهرين والعابرين لصفحة السماء في طائراتهم والمارين تحت صفحة السماء في الشوارع والشواطئ والتلال.. ماذا أيضا لو أشار فأشرقت شمس النهار مرة أخرى؟! ألن يصيبهم ذلك بجنون الدهشة؟!

ربما مات ضعاف القلوب رعبا من أن يكون هذا يوم الدينونة؟! بدت فكرة مفسدة للمتعة.. سرعان ما ثقلت رأسه واستغرق في نوم عميق كالموت.. أفاق منه على لسعة شمس الظهيرة تعيده حيث كان بين عبيد الله في مخيمات اللاجئين .

رجل وامرأة

ساد الصمت للحظات. نظرت للبحر والموج يضرب الصخور تحت قدميها.. وجدت نفسها تقول..

أحبك. هل تصدق؟ أنا أقولها لك هكذا بكل هذه البساطة..

كان هو غارقا في زرقة البحر.. لم يسمع حرفا.. عقله يموج بالصور.. رأى “نيرون” يحرق روما بقداحة فاخرة وهو يبتسم بينما كان “الإسكندر المقدوني” يشير للبحر بسيفه ويخوف جنوده من الفراغ في حضن الحقول و”نجيب محفوظ” يحتسي الشاي في جروبي وهو يطالع جريدة صباحية و “إحسان عبد القدوس” يسعل وهو يدخن سيجارته؛ فيلعن التدخين، بينما “سامية جمال” ترقص بقميص نوم شفاف على فراش الخديوي عباس.. كل هذا يجري على خلفية موسيقية من صوت البحر..

بعد سنوات من الزواج وإنجاب طفلين مازالت تعاني من صمته وشروده.

التمثال..

ستون عاما مرت دونما ابتسامة ستون عاما لم يتخل الوجه عن أخاديد جموده وتعابير تفاصيله المحايدة.. تحت قدميه جلست كعادتي اليومية.. هذه المرة كان الأمر مختلفا.. كان في جيبي رسالة منها.. أخرجتها وفضضت الغلاف بيد مرتعشة، جرت عيناي على السطور في نهم وسعادة..

في خضم اختلاجات نفسي لوقع الحروف الرائعة، خيل لي بأن أحدهم يجري معي بعينيه على سطور رسالتي الحبيبة..التفت.. ولأول مرة في تاريخه.. كان يبتسم.