– ألو مرحباً ..مدام سناء ؟
– نعم من المتحدث؟
– سيدتي أرجو أن تأخذي كلامي مأخذ الجد فأنا لا أعبث..
– من أنت يا أستاذ؟
– سيدتي سأقول هذا مرة واحدة وبلا أية تفاصيل أو توضيح..زوجك سيقتلك الليلة وتحديداً في تمام الحادية عشر وأحد عشر دقيقة. أنا واثق أن الحذر لا يمنع القدر ولكن خذي حذرك من فضلك .كليك.
اغلق الخط وظلت واضعة الهاتف على أذنها وعقلها يحاول استيعاب ما قيل.
حتماً هي مزحة سخيفة.ولكن ماذا لو لم تكن مزحة؟
- السيوف السلطانية : ننشر الفصل الرابع من رواية الكاتب الكبير“محمد العون”.
- مصطفى حامد جاد الكريم يكتبــ: بين الشعر والسرد.
*******************************
– هذا السخيف دمر يومي من قبل أن يبدأ.
قالتها لنفسها وهي ترتشف قدح القهوة جالسة جلسة مسترخية في الشرفة تتطلع الى النيل في مشهد خلاب والشمس تنعكس على صفحته ومراكب الصيادين تبحر لإخراج الرزق , الساعة الآن الثامنة صباحاً..حسب كلام هذا السخيف أمامها تقريبا خمسة عشر ساعة قبل أن تقتَل ! ظلت تفكر لماذا وكيف سيقتلها زوجها؟ إنه في بعثة عمل تابعة للشركة وغائب منذ يومان والمفترض عودته بعد يومان آخران على أقصى تقدير..زوجها رجل مسالم وعقلاني لا يستطيع إيذاء نملة .فكيف يفكر في قتلها ..والعجيب أن هذا المتكلم حدد لها وقت موتها بدقة ! وكأنه يقرأ الغيب ..بل وقد بدا متأكداً مما سيحدث ..أسئلة كثيرة دارت بخلدها وهي جالسة تنهي قدح قهوتها ثم قررت طرح الموضوع جانباً..إما أن يقول هذا المجهول التفاصل والأسباب أو ليذهب الى الجحيم ..ونهضت لتمارس حياتها بشكل طبيعي..
*****************************
الثانية عشر ظهراً
رن جرس هاتفها المحمول فتناولته ونظرت الى الرقم الظاهر على شاشته ..هذا رقم المجهول الذي حدثها في الصباح..ترددت قبل أن ترد وفكرت في ترك الهاتف ولكن فضول المرأة غلب في النهاية .
– كنت تفكرين في عدم الرد لكن فضولك غلب في النهاية
– يمكنك إستنتاج ذلك يسهولة فهذه طبيعة المرأة .
– سيدتي لقد جلست في شرفتك تحتسين قهوتك الصباحية وفكرتي في كلامي ..ثم قررتي أن تطرحي الأمر خلف ظهرك ..أليس هذا ما حدث؟
اتسعت عيناها بشدة ولم ترد ..كيف عرف ؟ وإن كان يراقبها فكيف دخل الى عقلها وعرف ما فكرت فيه واعتزمته؟
– سيدتي أرجوك أن تأخذي كلامي مأخذ الجد ..زوجك سيحاول قتلك الليلة كما قلت لك ..لا أستطيع قول التفاصيل ولا الأسباب ولكن خذي حذرك ..يمكنك مغادرة القاهرة اليوم الى أي مكان ..
– زوجي في مأمورية عمل تابعة لشركته وسيتغيب على الأقل يومين ..فكيف سيأتي ليقتلني.
كان صوتها بدأ يعكس التوتر الذي انتابها مع بلبلة أفكارها .
– لا تعتمدي على ذلك يا سيدتي..صدقيني .سيأتي ليقتلك .
وأنهى المكالمة ..وظلت واقفة مشدوهة لا تلوي على شيء.
*******************************
يجب أن تعرف هوية المتصل..فكرت في ذلك فتناولت الهاتف وبحثت عن الرقم في برنامج البحث ( ترو كولر) وظهر لها الإسم ..جمال السيد عزمي.ركزت أفكارها لتتذكر هذا الإسم ..نعم هي سمعت هذا الإسم من قبل ولكن أين؟ رن جرس الهاتف فجأة فأجفلت ..زوجها يتحدث ..
– ماذا تريد؟
كان رداً عنيفاً حاداً يخلو من اللياقة وغير مبرر إطلاقاً بالنسبة له ..وانتبهت لحدتها فتداركت الأمر سريعاً
– حبيبي المعذرة كنت أظنك شخص آخر يقوم بالمعاكسات .
– لا عليك هل أنت بخير
– نعم نعم أنا بخير كيف حالك أنت؟
– بخير ..لقد قلقت عليك ..هل حدث شيء ..صوتك متوتر للغاية ..ما الأمر.
فكرت أن تخبره بأمر المكالمات لكنها طرحت الفكرة جانباً وقالت:
– حبيبي لا شيء أنا بخير المهم ..كيف حالك أنت ومتى ستأتي للمنزل؟
سمعت ضحكته عالية في أذنها وهو يقول:
– هذه هي المفاجأة أنا في الطريق بالفعل .لقد أنهيت عملي مبكراً وأنا في الطريق إليك.لماذا تبكين يا سناء؟ اكيد هذه دموع الفرح فلقد اشتقت إليك كثيراً.
**********************************
ماذا أفعل ؟ ماذا أفعل؟ قالتها لنفسها وهي تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً بغير هدف..إنه قادم . كان من المفترض أن يأتي بعد يومين ..
( لا تعتمدي على ذلك يا سيدتي..صدقيني .سيأتي ليقتلك)
سيأتي ليقتلك
سيأتي ليقتلك
أمسكت رأسها بكفيها وأغمضت عينيها وتهاوت على الكرسي أمامها..لقد أكد لها أنه سيأتي اليوم ..كيف عرف؟ لقد كانت تعتمد على عدم قدومه لتكشف كذب هذا الجمال السيد عزمي..
هناك قريب لها يعمل في شركة الهاتف ستتصل به لتعرف تفاصيل أكثر عنه..يجب إماطة اللثام عن هذا المجهول بأي شكل لتقرر ماذا ستفعل بعدها ..
تناولت الهاتف لتتصل بقريبها عندما انطلق رنينه فتجمدت مكانها محدقة في شاشته ..لقد صار هذا الرقم يمثل لها الرعب ويساعد في رفع ضغط دمها بلا شك..
– ماذا ستخبرني هذه المرة يا سيد جمال..
كانت تتوقع أن ينصدم من معرفتها إسمه إلا أن الصدمة كانت من نصيبها قاسية .
– لا تعتمدي على التروكولر يا سيدتي فهو برنامج غبي ..لا يعطيك سوى الإسم المسجل فيه فقط بدون تحري أو دقة من امتلك الرقم بعدها ..عموما هذا ليس إسمي ويمكنك الإتصال بقريبك في شركة الهاتف لتتأكدي ..لقد كنت ستكلمينه الآن لولا سبقتك أنا بالمكالمة.لكن لا تعتمدي على ذلك أيضاً فهو لن يعطي شىء ذو قيمة.
لم تستطع أن ترد ..لم تجد عندها رداً ولو بحرف ..كيف كيف ؟ إنه يغوص في طيات عقلها ويعرف ما تفكر فيه ..
– سيدتي أرجوك فأمرك يهمني بشدة ..سيقتلك زوجك اليوم وأريد منك أن تغادري المنزل ..إنه قادم وسيكون عندك بعد ساعة لا أكثر ووقتها لن يكون هناك مفر من القدر..
كانت تبكي ..وعلا نشيجها وهي تقول من بين دموعها:
– ما أنت ؟ وكيف عرفت كل هذا ؟ لقد قلبت حياتي رأساً على عقب في ساعات معدودة.
– آسف جداً سيدتي..لكن لا أستطيع أن أجيب عن أسئلتك ..كل ما أملكه لك هو أن أقدم النصيحة..أعرف أن ما أفعله غريباً لكن لا أستطيع تقديم التفسير..سيدتي غادري المنزل أرجوك..إرحلي قبل فوات الآوان ..
– هل أنت قارىء أفكار..قرأت عن تلك الموهبة من قبل وأعرف أن أصحابها يخفون أمرهم خوفاً من المجتمع.
– سيدتي الأمر معقد …أكبر بكثير من هذا ..عموماً سأقدم لكي شيئاً..تأكدي أن زوجك في مأمورية عمل بالفعل..لديك هاتف استعلامات الشركة ..ولديك هاتفك المحمول ..كليك
وانغلق الخط وانغلقت كل الخطوط في عقلها أيضاً..ما يحدث شيء خارق ..لم تمر به من قبل ..يجب أن تجري إتصالين هامين الآن ثم تقرر ماذا ستفعل..
********************************************
– سعيد أنا سناء قريبتك ..
– أهلاً سناء كيف حالك؟ وقت طويل مضى لم أسمع صوتك فيه..
قالت بنفاذ صبر :
– هناك مشكلة كبيرة وأحتاج مساعدتك
– تحت أمرك يا سناء أطلبي ما تشائين..
قالت بصوت أقرب الى الرجاء:
– هناك رقم يتصل بي وأريد أن أعرف معلومات عنه وأنت تعمل في نفس شركة المحمول الخاصة بالرقم هذا .هل تستطيع أن تخبرني من يملكه وعنوانه وكل المعلومات الممكنة عنه؟
جاوبها الصمت قليلاً ثم جاء صوته يحمل إليها الأسف:
– سناء أنت لا تفهمين الأمر جيداً..هذا الطلب يعرض مستقبلي في الشركة للخطر..فهذا الأمر يجب أن يمر بعدة إجراءات قانونية أولاً..لا يمكنني تسريب أية معلومات عن أي رقم وخصوصاً المكالمات تكون مسجلة وسيعرفون من فعلها ..
سكتت قليلاً ..ها هو ذا أمر آخر يتأكد ..هذا المجهول لم يخبرها بشيء خاطيء حتى الآن..
– والحل
– سأخبرك بالإجراءات القانونية لتمضي فيها وفي خلال يومان لا أكثر سيمكنك الحصول على المعلومات بشكل قانوني..
صرخت فيه وارتفع صوتها وقد بدأت تفقد أعصابها.
– يومان ؟ ليس أمامي يومان يا سعيد ..أرجوك أن تساعدني في الحصول على أية معلومات الآن..الأمر خطير يا سعيد أرجوك.
– سناء لا أدري ماذا أقول ..عموماً إرسلي لي الرقم في رسالة وسأرى ما يمكنني عمله.
– أشكرك يا سعيد سيصلك الرقم الآن في رسالة خاصة.
أرسلت الرقم في رسالة ورأسها يدوي بعبارة قالها المجهول (لا تعتمدي على ذلك أيضاً فهو لن يعطي شىء ذو قيمة.)
كيف عرف؟ هذا الرجل يقرأ الأفكار بلا شك..أو أنه متصل بعالم الجن ويخبرونه بهذه الأسرار..
– ألو..هل أستطيع التحدث الى المهندس سامح عبد المحسن إذا سمحت؟
– لقد غادر مبكراً اليوم يا سيدتي.
– لقد اتصلت به أمس ولم أجده وأخبرتموني أن أتصل به اليوم ..أنا عميلة وأحتاج للتحدث معه بشأن العمل ..
– سيدتي لقد كان المهندس سامح طيلة النهار في مكتبه ولم يغادره مع عميلة هامة للشركة ..عموما كلميه على هاتفه المحمول سيرد حتماً..
– كان موجود في الشركة أمس ..هل أنت متأكد..لقد أخبروني أنه في مأمورية عمل وسيعود بعد أربعة أيام..
– نعم متأكد يا سيدتي..ولا يوجد مأموريات للمهندس سامح هذه الأيام ..ليس عندي تعليمات بذلك لأبلغها لأي عملاء يسألون عنه..تحركات المهندسين أمور هامة يجب إبلاغها للإستعلامات.
– أشكرك ساحاول أن أحدثه على هاتفه المحمول.
***************************************
لقد كذب عليها ..لم تكن هناك مأموريات تستدعي المبيت خارج البيت أربعة أيام كما أخبرها,لماذا فعل ذلك ؟ هل كان يضع خطة قتلها في اليومان الذان قضاهما خارج البيت؟ واليوم هو وقت التنفيذ. لماذا لا تحاول الإتصال بالرقم وتحاول الوصول الى أية معلومات؟ تناولت الهاتف واتصلت بالرقم ..جاءها صوت الرد المسجل (الرقم الذي طلبته غير موجود بالخدمة رجاء تأكد من الرقم الصحيح) ..
ما معنى هذا؟ أعادت المحاولة فجاءها نفس الرد أيضاً..
أغلقت المكالمة وعقلها تضربه آلاف المطارق…
وفجأة رن الهاتف فانتفضت بشدة وهي تحدق في الرقم الرهيب الذي ظهر على شاشته..كيف لقد كان غير موجود بالخدمة منذ قليل
– ماذا ترييييييييييد
وانفجرت في البكاء بشدة وتركها تفرغ شحنتها قليلاً ثم قال :
– سيدة سناء..رجاء تمالكي أعصابك ..تذكري أن الوقت ليس في صالحك اليوم أبدأ
– لم تكن هناك مأموريات ..لقد كذب علي..
– أعلم ذلك ..لكنك لم تكوني تعلمين..سيدتي ليس أمامك سوى نصف ساعة وسيكون زوجك على باب المنزل..الآن ماذا ستفعلين؟
حارت جواباً فقال لها :
– أرجو أن تستمعي لنصيحتي ..غادري المنزل الآن ..
– أين أذهب ..لقد حطمت أعصابي فلم أعد أستطيع التفكير.
قالتها بصدق ..فتفكيرها أصبح مشوشاً بالفعل فقال:
– أريدك أن تثقي بي ..هل يمكنك أن تغادري المنزل وتقابليني.
إتسعت عيناها مع هذا التحول الغريب..
– أقابلك ؟ أين؟
– سأتصل بك عندما تغادرين المنزل وأخبرك أين؟..لا تنسي أمامك أقل من نصف ساعة .
وكالعادة بلا أية مقدمات أغلق الخط..
لم تعد تملك خياراً..ستغادر وتقابله ..يجب أن تعرف.يجب أن تنهي هذا الغموض.
وأسرعت بارتداء ملابسها حين رن جرس الباب ..من هذا القادم الآن؟ أسرعت الخطى لتفتح الباب ..واتسعت عيناها غير مصدقة ..
– سناء حبيبتي لا تدرين كم اشتقت إليك…
وحضنها بشدة وهو يدلف مغلقاً الباب خلفه..لقد أخطأ ..لم يكن دقيقاً في موعد قدوم زوجها..كان من المفترض أن يحضر بعد ربع الساعة وليس الآن..كيف حدث ذلك؟ وما معناه؟
والأهم أنها صارت معه في المنزل .. لن تستطيع المغادرة أبداً..هي تعرفه جيداً
لن تستطيع مهما حاولت.
******************************************
جلسا في الصالون وبدا وجه سناء ممتقعاً يحاكي وجوه الموتى وزوجها يقول في مرح:
– لقد أنهوا المأمورية مبكراً يومين ..على أن تستكمل في الأسبوع القادم يومان آخران .
قالت لنفسها(الوغد ما زال يكذب)
– نعم نعم المأمورية..أين كانت المأمورية هذه يا سامح لقد نسيت؟
قالتها وهي تفرك في أصابعها وهي حالتها كلما توترت فقال:
– كانت في الأسكندرية ..كيف نسيت ذلك ..ثم مالي أراكي ترتدين ملابسك هل كنت ستخرجين؟
– نعم كنت سأبتاع بعض الأشياء للغداء ..أردت أن أحضر لك وليمة شهية.
بدأ يلاحظ توترها فقال محاولاً التخفيف عنها:
– وأنا أحضرت لك هدية قيمة ..سأذهب لأستحم من وعثاء السفر ولا تفرغي حقيبتي حتى أخرج .أريد أن أخرج منها الهدية أولاً..
قالها وهو ينهض فقالت وهي تنهض لتحضر له ملابسه:
– سأحضر لك الملابس والحمام .
وأمسكت حقيبته ووضعتها على المائدة..ما معنى هذا ؟ إنه مصر على الكذب.. دخل زوجها الحمام فخرجت للشرفة وتأملت هاتفها ..ستحاول الإتصال به.وضغطت على علامة الإتصال ..الرقم غير موجود بالخدمة.
كيف يمكن هذا؟ وفجأة رن جرس الهاتف..إنه هو ..
– لقد أخطأت في التوقيت ..لقد حضر قبل الميعاد الذي حددته بربع ساعة ,لم أستطع مغادرة البيت.
– آسف ..ليت كل شيء يسير بدقة ..فأنا لست إلاهاً..عموما الفرصة أمامك ..هو في الحمام الآن ..غادري البيت .
– لا أستطيع..لن أغادر..وأنا لا أصدقك ..ربما يكون قد كذب علي بالفعل وسأكتشف لماذا فعلها ..لكني سأخاطر..
– سيدتي أخشى أنه لن يكون أمامك بعد الآن سوى خياراً واحداً فقط
– ما هو؟
– قبل أن أخبرك إياه سأعطيك برهاناً على صدق كلامي..الهدية التي أخبرك عنها..أنت لم تريها بعد..تذكري أنها ستكون خاتم ذهب ذو فص وردي..فأنت تحبين اللون الوردي
– كيف عرفت كل هذا ..من أنت عليك اللعنة.
– سيدتي ..دعك من هذا الآن ..الخيار الوحيد الذي تملكيه الآن هو أن تقتليه قبل أن يقتلك.
وسقط الهاتف من يدها
ما يقوله برغم خطورته يعتبر حل.
الحل الأخير..
********************************************
توقفت أمام الحقيبة تتأملها ..هو لم يخرج بعد من الحمام ولكنه أوشك على الخروج..هل تفتح الحقيبة لتتأكد من كلام هذا المجهول ..أم تنتظر حتى يخرج ويريها الهدية بنفسه؟
لم تستطع الصبر فتناولت الحقيبة بسرعة وفتحتها وهي ترهف سمعها للحمام..يبدو أنه انتهى من حمامه وفي مرحلة إرتداء ملابسه..ليس أمامها الكثير من الوقت.
فتحت الحقيبة وراحت تتأملها ..أين الهدية ..وضعت يدها في جيب بذته وتحسست شيء ما .ما هذا؟ أخرجتها فوجدتها سلسلة ذهبية بها آية قرآنية فاتسعت عيناها ..لقد أخطأ في هذا أيضاً .وضعتها مكانها وأعادت كل شيء كما كان وجلست في الصالة وعقلها لا يهدأ من التفكير..
وخرج زوجها وهو يجفف شعره بالمنشفة وجلس أمامها قائلاً:
– كيف حال والدتك ..لقد ذكرت أنها كانت تشتكي من آلام في قدمها..
– هي بخير طالما تستمر في أخذ أدويتها .
– ذكريني أن أتصل بها بعد الغداء للإطمئنان عليها
– فيك الخير
قالتها بتهكم وهي تنظر إليه وعقلها يرسم عشرات المواقف والوسائل التي سوف يقتلها بها – لماذا أيها الأحمق لقد كنت أعد لك الدجاج المحمر الذي تحبه ..لماذا ستقتلني؟
– سأحضر الغداء ..يبدو عليك الجوع فأنت لم تتناول طعاماً محترماً منذ يومان.
ونهضت متوجهة للمطبخ لتعد الغداء ..ماذا تفعل وكيف تميط اللثام عن كل هذا الغموض؟ سرحت مع أفكارها فلم تشعر به وهو قادم من خلفها ..
– سناء
شهقت بصوت عال فهدأ من روعها قائلاً:
– ماذا حدث لا تفزعي ..
وربت على ظهرها مطمئناً ويده الأخرى تختبىء خلف ظهره..ولاحظت ذلك فتوترت أكثر ..إنه يمسك سكيناً ليطعنها به لا ريب..الآن الساعة الرابعة وقد قال المتصل أنه سيقتلها في الحادية عشر تقريباً..ولكنه يخطئ في التوقيتات أحياناً..
– ماذا تخبيء خلف ظهرك؟؟
ضحك بصوت مرتفع وأخرج يده ممسكة بعلبة حمراء صغيرة وقال :
– هديتك ..حتى تعدي لنا الغداء بحماس..لم أستطع الإنتظار حتى أقدمها لك..
وفتح العلبة وهي تعلم ما ستجده مسبقاً..وعندما انفتحت العلبة إتسعت عيناها بشدة وارتجفت بكل كيانها ودارت رأسها..وأطلقت صرخة مدوية وسقطت بين ذراعيه فاقدة الوعي.
لقد كانت العلبة تحتوي على خاتم.
خاتم ذهب ذو فص وردي..
*************
بدأ الوعي يتسرب إليها رويداً رويداً ..كان صوت زوجها يأتي من بعيد ( سناء ..سناء ..أفيقي) وشمت أنفها رائحة عطر فواحة ..شعرت بالفراش النائمة عليه ..لقد نقلها الى الفراش وشرع في تنبيهها لتستفيق مستخدماً زجاجة عطر ..لماذا لم يقتلها وهي غائبة عن الوعي؟ لقد كانت فرصة ذهبية..
فتحت عينيها ببطء فوجدته يدلك كفها بين راحتيه والإنزعاج يملاء ملامحه..مستحيل أن يكون هذا حال رجل يهم بقتلها ..فما معنى كل ما حدث؟
– لماذا تريد قتلي يا سامح؟ أنا أحبك وأصنع لك الدجاج المحمر الذي تحبه ببراعة!
قالت ذلك والصداع يطرق رأسها والطنين يملاء سمعها ..
– ماذا تقولين يا سناء؟ أنا أقتلك ؟ من أدخل في رأسك هذه الفكرة الحمقاء؟
– لقد كذبت علي ..لم تكن هناك مأموريات ..أين كنت في اليومين الماضيين؟
– من أين عرفتي أنه لا يوجد مأموريات للشركة؟
– إتصلت بالإستعلامات وأخبروني أنك لم تكن في مأمورية .. وأنك كنت هناك هذا الصباح ..
عقد حاجبيه وقال ضاغطاً على حروف كلماته:
– ومنذ متى وأنت تتصلين للسؤال عني؟ ما الذي دفعك لذلك؟
وانهمرت دموعها كالمطر وهي تقول :
– سأخبرك وأقص عليك الأمر من البداية. وبدأت تروي…
************************
لقد فشلت الخطة ..لم تقدم سناء على قتل سامح برغم كل ما فعل.
إنطلقت هذه العبارة في رأس رجل في العقد الرابع من العمر وهو يجلس مسترخياً في غرفة بسيطة ليس بها سوى كرسي كبير في منتصفها وعلى رأسه وضع خوذة عملاقة عجيبة الشكل تشبه ما يستعمله مصففي شعر السيدات وقد خرج منها أسلاك متصلة بجهاز كمبيوتر أمامه ..
كانت خطة معقدة لا تخرج سوى من عقل مثل عقله..لكنها باءت بالفشل..ها هي سناء تخبر زوجها بكل ما حدث..
يجب أن ينتقل الى الجزء الإحتياطي من الخطة ..
وفي هدوء خلع الخوذة عن رأسه ووضعها جانباً وتناول من حقيبته مسدس مزود بكاتم للصوت ووضعه في جراب تحت إبطه وخرج ..
لا بد أن ينهي الأمر بنفسه…
*****************************
– جمال السيد عزمي؟
قالها سامح بدهشة لسناء فقالت:
– هل تعرفه؟
– نعم إنه زميل لي في الشركة وهو مهندس غير شريف ..وقد واجهته بمخالفات ماليه إكتشفتها وقد حاول ضمي لعصابته ولكني رفضت وأمهلته أسبوع ليصلح الأمر وإلا سأبلغ صاحب الشركة ..
وازدرد لعابه وأكمل:
– وكان يعلم أني في مأمورية بالفعل .. ولكن العجيب كيف عرف كل تلك التفاصيل التي أخبرك بها؟ لقد كنت ألاحظ عليه أموراً غريبة وكأنه كان يعلم ما سيقال له من قبل أن يقال..وكأنه يقرأ أفكار من أمامه..حتى أن أحداً لم يكن يحب الإختلاط به..
قاطعه رنين هاتف سناء المحمول فتناولته قائلة:
– إنه سعيد قريبي ..لا بد أنه توصل الى شىء…ألو سعيد كيف حالك ..
– سناء لقد توصلت لبعض المعلومات ساخبرك إياها على عجل..الرقم مسجل بإسم جمال السيد عزمي..مهندس يعمل في شركة(–) تقريباً نفس شركة زوجك ..وعنوانه المدون في العقد (–).. سناء أنا لم أحدثك وأرجو ألا ينتهي مستقبلي قريباً ..سلام.
وأغلق الخط..قالت سناء وهي تضع هاتفها :
– هناك سلسلة ذهبية عليها آية قرآنية في حقيبتك..أليس كذلك؟
– لقد جلبت هديتان..هدية لأمي وهدية لك..
قاطعه رنين جرس المنزل فنهض ليفتح الباب وعقله شارداً في هذه القصة العجيبة..فتح الباب فرأى أمامه جمال بشحمه ولحمه..ورأى المسدس مصوباً إليه ..
– أدخل ولا تحدث أي جلبة وإلا ستكون العواقب وخيمة..
– من هناك يا سامح؟
إرتفع صوت سناء من الداخل فدخل جمال وأغلق الباب خلفه وهو يلوح بالمسدس لسامح ليسير أمامه..ثم فجأة شعر بضربة قوية على رأسه من الخلف..ومادت به الأرض ..آخر ما سمعه هو صوت زوجته التي ظهرت ورأت المشهد لتنطلق صرختها مدوية..ثم الظلام ..
********************************
فجأة إستعاد سامح وعيه ليكتشف أنه مربوط بإحكام الى كرسي وزوجته بجانبه موثوقة اليدين والقدمين على كرسي مماثل وأمامهما جلس جمال على كرسي ثالث ممسكاً بمسدس مزود بكاتم للصوت يلوح به بلا مبالاة…
– كان عليك أن تقبل عرضي يا سامح..لكنك تمسكت بمبادئ سخيفة ..
– أيها الوغد سأقتلك ..سأمزقك إرباً
كان يحاول التملص من قيوده بلا جدوى..
– لا تحاول يا زميلي الشريف..لقد وضعت خطة معقدة للقضاء عليك بيد زوجتك إذ شرعت ببث الشك في أعماقها أنك ستحاول قتلها ..وكنت أعتمد على أنها ستقتلك حين تفقد أعصابها وتتصور أنه لا خيار آخر لديها..لكنها اعترفت لك بالأمر ..
قالت سناء وهي مستسلمة في جلستها :
– أعترف أنك لم تترك لي سبيل واحد للتفكير ولكنني فقدت الوعي ..كان ممكن أن ينتهز الفرصة ليقتلني وأنا فاقدة الوعي ولكنه كان منزعجا بشدة وحاول إفاقتي ..هذا ليس حال رجل يريد قتل زوجته..لكن ما يحيرني هو كيف علمت كل ما علمت ..كيف أخفيت رقم هاتفك ؟
– سيدتي أرجو أن تستوعبي ما سأقول..لقد نطقتي بالحل وقلتي أنني أقرأ الأفكار ..بالفعل أنا أمتلك تلك الموهبة ..لكن مع بعض التعديل..أنا أقرأ الأفكارلكن لا يمكنني التغلب على المسافات..يجب أن يكون الشخص قريب مني لأتمكن من قراءة أفكارة ..لذا إستعنت بخبير كمبيوتر ومتخصص في مجال الإتصالات وقمنا باختراع جهاز يستطيع تضخيم موجات عقلي واستغلال موهبتي ..ولأن الأفكار ما هي إلا موجات كهربائية داخل المخ ..إستطعنا قهر المسافات بواسطة الجهاز وبرنامج كمبيوتر معقد ..واستطعت قراءة أفكارك وكذلك زوجك برغم بعد المسافات بيننا ..وكذلك قريبك سعيد..وكنت أحجب رقم هاتفي عنك ببرنامج آخر يعطيكي أن الرقم غير موجود بالخدمة ولكن يصلني رسالة أنك كنت تحاولين الإتصال ..فأطلبك أنا,وأنا من رددت عليكي في الإستعلامات وأخبرتك أن زوجك كان في المكتب..تغيير الصوت أمر سهل في عالم الكتنولوجيا..كنت أريد بث الشك في نفسك لتتيقني أنه سيقتلك فتبادرين بقتله وأتخلص منه ومن كل المشاكل التي سيسببها لي في المستقبل..وعندما أخبرتك أن تقابليني لم أخطئ في التوقيت بل كنت أعلم أنه سيأتي مبكراً وأنك لن تستطيعي مغادرة المنزل في الوقت المناسب ..الآن لم يعد لي خيار فما يعرفه زوجك ويريد كشفه سيزج بي في غيابات السجون طويلاً..
– حتى لو قتلتنا أيها الوغد فستذهب للسجن حتماً ..لن تفلت بفعلتك.
– ربما يا سامح ..لكنني سأخرج من هنا على المطار لأنعم بالأموال التي جمعتها طيلة السنوات السابقة في أي بلد أوروبي..الوداع يا سامح ..
وصوب مسدسه إليه وهم بضغط الزناد لولا أن انطلق جرس الباب فجأة فتوقف جمال وارتبك ..لم يتوقع قدوم أحد ..
– ستنهض وتذهب لتصرف أياًكان من بالباب ..وتذكرأن زوجتك معي..أي تلاعب سأرديها.
– ألا تستطيع قراءة أفكاره أو قراءة أفكار من بالباب لتعرف هوية الطارق؟
قالتها سناء وهي تنظر إليه في تحدي واضح:
– الأمرلا يعمل هكذا ..أحيانا يتم الأمر بسهولة وأحياناً أحتاج الى تركيزشديد لأتمكن من قراءةأفكار شخص بعينه ..لذلك أخترعت الجهاز..واستعمالي للجهاز فترات طوياة يجهد عقلي فلا أستطيع التركيزجيداً بعدها.
قالها وهو يحل وثاق سامح ويشير إليه بأن يذهب ..وفتح سامح الباب وهو يأخذ نفساً عميقاً..وكان حارس البناية يقف هناك قائلاً:
– سامح بك ..هناك رجل يريدك أسفل البناية ولا يريد الصعود..
– حسناً يا عبد العاطي سأهبط إليه ..
كان جمال يسمع الحوار من خلف باب الغرفة التي يحتجز فيها سناء وبدا له أن الأمر مريب فحاول التركيز ليقرأعقل سامح ويعلم ما ينتويه ..
وفجأة انفتح الباب بسرعة ودخل عدة رجال يرتدون ملابس الشرطة ووجه أحدهم لكمة هائلة الى جمال فطار وطار المسدس من يده..وأحاط به رجال الشرطة وكبلوا حركته وبعضهم ينهال عليه باللكمات.
– مهندس سامح هل أنت بخير؟
قالها الضابط وسامح يحل وثاق سناء ويحتضنها :
– الحمد لله ..لقد كان سيقتلنا هذا المأفون..كيف علمتم يا سيدي؟
– الفضل لكاميرات المراقبة الموضوعة فى طرقة كل طابق من البناية..فقد نقلت لنا مشهد الرجل وهو يهددك بالمسدس على الباب فشرع الحارس بالإتصال بنا وحضرنا بسرعة لإنقاذ الموقف..
كان جمال يبكي ويقول:
– لم أنتبه لتلك الكاميرات ..أنا لم أفعل شيئاً..أتركوني ..
– خذوه….
قالها الضابط فجرجر المخبرين جمال جراً الى الخارج..
– سيد سامح أرجو أن تأتيا معنا للقسم لإتمام محضربالواقعة فسنحتاج أقوالكما..
– لا مانع بالطبع ..على أن يأخذ هذا المجرم جزاءة ..
– سأنتظركما أسفل البناية..إرتديا ملابسكما وأنا في السيارة منتظركما..
قالها وغادر الشقة ..ونظرسامح الى سناء واحتضنها قائلاً:
– سناء كل هذا حدث بسببي..سامحيني..
إستكانت بين ذراعية وقالت:
– بل سامحني أنت فقد شككت لحظة أنك ستقتلني..بالمناسبة كم الساعة الآن..
نظر الى الساعة المعلقة على الحائط وقال:
– إنها منتصف الليل يا عزيزتي..
– لقد مر موعد موتي على أية حال
وشرعا يضحكان وكل منهما يحتضن الآخر