You Create, We Appreciate

سهيلة مسة تكتبــ: الثالثة والنصف (قصة قصيرة)

سهيلة مسة تكتبــ: الثالثة والنصف (قصة قصيرة)
صورة من الانترنت
صورة من الانترنت

جلس عماد على رمال الشاطئ، يتأملها ويعدها حبة حبة على كفه، كطفل صغير أول مرة يكتشف الرمال الذهبية، كان يصرف تفكيره عن مخاوف روادته هذ الصباح رآها في كابوس مزعج، تارة يتأمل الأفق البعيد، وتارة ينظر إلى زوجته بحب، لكن كان في عينيه كلام صامت يصرخ أنه لا يريد مغادرة هذا المكان، من ذا يترك هذا الجمال ويدس وجهه في التراب، ترقرقت عيناه بالدموع، وهو يتمتم،

_ أحقا حان وقت الرحيل؟

سأل زوجته:

_ كم الساعة حبيبتي؟

_ الثانية، لماذا تكرر سؤالك هذا اليوم؟ هل لك موعد؟

صمت قليلا، وهو يتأمل ملامح زوجته التي تبدو شابة رغم أنها تجاوزت الأربعينات من عمرها، لكنها تبدو أصغر بكثير، كأن الزمان توقف على أول تجعيدة بجانب عينيها واكتفى بها.

_ لا ، ليس موعدا وإنما …

ثم صمت بشكل مفاجئ، كأنه لا يريد إفساد يوم زوجته التي عبرت عن ارتياحها لهذا المكان ، تذكر أول لقاء بينهما عندما كانا في بداية العشرينات من عمرهما ، كان حبا بالصدفة في ملتقى مهني  ، كلل بالزواج بعد مدة قصيرة .رسمت ابتسامة عريضة على شفاهه وهو يتذكر أيام زواجهما واحتفالهما بمولدهما الأول  ، ثم انقلبت نظراته من سعيدة إلى  حزينة ، لاحت من مقله بشكل بارز وهو يقول في نفسه:

_ أتتزوج زوجتي بعد رحيلي، أتحب آخر بعدي؟!

أوقف تفكيره صوت ينادي من البحر:

_ أبي هيا قم لتلعب معي، المياه رائعة للسباحة.

لم يجب ابنه واكتفى بتلويح يديه له مشيرا إلى أنه متعب. اعتدل في جلسته وكأنه يتأهب لاستقبال أمر ما.

_ كم الساعة حبيبتي؟

_ إنها الثالثة، ما بك هذا اليوم، لست على ما يرام؟

_ نعم، إنني متعب.

_ لماذا أصريت أن نأتي إلى البحر اليوم وأنت في هذه الحالة؟

_ في الحقيقة، حلمت حلما مزعجا يتعلق بأمر سيء سيحدث هذا اليوم في البيت.

_ لهذا كنت مصرا أن نخرج من البيت، لا تكترث، فليس كل الأحلام تتحقق.

ثم استرسلت مازحة:

_ قل لي أيها العراف، كيف سأبدو وأنا عجوز؟

_ تعرفين أن كوابيسي تتحقق.

تغيرت ملامح الزوجة عندما تذكرت يوم أخبرها عماد بإلحاح أن لا تركب الباص عندما تكون عائدة من العمل، بدعوة أنه سيحدث حادث آن ذاك، بالفعل في المساء، عمت الأخبار بأنه وقع حادث اصطدام خطير لنفس الباص، هذه الحادثة أودت بحياة الكثيرين.

عم صمت مريب برهة ثم أردف قائلا:

_أريد أن أسألك، هل تتزوجين مرة أخرى إذا وقع لي مكروه؟

استغربت الزوجة من سؤال عماد الغريب، كيف خطر على باله مجرد التفكير في أنها ستتركه وهي التي حاربت الدنيا لتتزوج به؟! بينما هي غارقة في حيرتها، اسودت السماء فجأة وحلت عاصفة هوجاء بالشاطئ، قلبت جو البحر من جو جميل مليء بقهقهات الأطفال وألحان الأمواج إلى جو تعم فيه الفوضى والصراخ، الكل بدأ يركض نحو مخرج الشاطئ والكراسي تنقلب وتدور في الفراغ، والرياح تقذف كل ما اعترض سبيلها بقوة كأنها تريد تسديد أهداف في مرمى الخصم.

بدأ عماد يركض وهو يردد :

_ غالبا أنها اقتربت الساعة من الثالثة والنصف كما جاء في ذاك الكابوس الملعون، لكن لماذا تغير المكان؟!

سقط عماد مغمى عليه وهو يسأل زوجته:

_ هل الساعة الثالثة والن…؟

أصابه عمود شمسية في رأسه، كان متطايرا في السماء مع باقي أغراض المصطفين، سقط عليه بقوة ثم سقط عليه كرسي بنفس القوة وبشكل متتابع، وكأن الرياح كانت تبحث عنه لتحقق نيته صباحا.

تجمهر الناس حوله، يحاولون إعادته إلى وعيه، دون جدوى، كأنه استسلم لتنبؤاته وصدق أن رحيله قد حان وبشكل حتمي.

Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp