عزيزي القارئ ما رأيك في رحلة معي عبر الزمن، لنعيش في مصر الفرعونية خلال فترة مهمة في تاريخ مصر الحبيبة إلى قلوبنا، إنه عهد الكفاح والتحرير من نير وظلم الهكسوس المحتلين الغاصبين.
أهمية هذه الفترة أنها تفصل بين عصر التدهور والاضمحلال والاحتلال وعصر الدولة الحديثة المتقدمة في كل المجالات. الرحلة مجانية ولمدة دقائق هي وقت قراءتك.
هيا بنا إلى آلة الزمن إلى عهد الأسرة الخامسة عشرة.
أرى مصر في عهد الاضمحلال والفوضى والضعف يحكمها ملوك ضعاف وأحوال متدهورة، وانتهز قوم همج أتوا من الشمال الفرصة، ونزحوا الى مصر بجماعات غفيرة، حيث تغلبوا بسهولة على المقاومة المصرية الضعيفة، وكان سلاحهم القوي هو العجلات الحربية، التي تجرها الخيول، والتي لم يكن يعرفها المصريون من قبل؛ وفتكت بهم في وقت قليل، وسكنوا في الدلتا وحكموا الشمال .
- عادل عبد الحميد يكتبـــ: عن رواية “عابر” للكاتبة الفلسطينية لُما الحاج.
- عبد الكريم حمزة عباس يكتبــ: مبدع من بلادي: الشاعر والأديب و الناقد الدكتور إبراهيم مصطفى الحمد.
هؤلاء القوم سماهم المصريون الهكسوس أي الملوك الرعاة، وكانوا يتسمون في أغلبهم أنهم قصار القامة، طوال اللحى. نعتهم المصريون بأنهم ذوي اللحى القذرة، وهم قوم قساة القلوب. انظر يا صديقي، إنهم يعذبون المصريين، ويحقدون على تاريخهم وحضارتهم العريقة، ويدمرون المعابد ويخربون كل ما هو نفيس، وبات المصريون يتطلعون للخلاص من هذا الكابوس المؤلم، فهل من مخلص ومحرر ؟؟
هيا نكمل الرحلة، ونسافر إلى عهد الأسرة السابعة عشرة..
ما هذا؟
إن الهكسوس لازالوا يحكمون الشمال، والشعب المصري في الشمال يتألم من ظلم ونير المحتل الغاصب.
هذا حال الشمال، فما بال الجنوب او مصر العليا؟
دعنا نذهب إليها، ونرى أحوالها، الحمد لله، انظر يا صديقي، إنها لم تحتل من الهكسوس، وظلت حرة، ولكنهم يحسون ويتألمون بألم اخوتهم في الشمال، ويتطلعون لفك قيودهم وتحريرهم.
انظر الى الفلاحين بأجسامهم القوية النحاسية السمراء، التي طهرتها شمس مصر الحبيبة، وهم يعملون في الحقول كأنما نبتوا من صميم أرضها الطيبة. هؤلاء سيكونون جنود مصر الأشداء في حرب التحرير من الهكسوس الغاصبين.
والآن دخلنا طيبة الشامخة، عاصمة الجنوب، ذات المسلات الضخمة والمعابد الكبيرة والطرقات الواسعة، ونشاهد قصر الملك في أكبر الميادين، وبداخله الملك سقننرع تاعا الثاني، يبدو مهموما، ويفكر مليا وهو جالس مع الوزراء والقادة وكبار الكهنة في القاعة الملكية الكبيرة، التي يحرسها حراس مدينة هابو الأشداء.
كان الملك يتحدث معهم ويسمع الآراء، ولكن لماذا كل هذا؟
لابد أن أمرا جلل قد وقع، زلزل كيان كل من في القاعة. فما هو هذا الأمر؟ أبو فيس ملك الهكسوس طلب من الملك سقننرع أن يذبح أفراس النهر التي يقدسها المصريون الموجودة في طيبة لأنها تزعجه وتقلق منامه بأصواتها، وهو في قصره بمنف عاصمة الشمال، التي تبعد مسافة بعيدة عن طيبة، وعلى أهل الجنوب أن يعبدوا ست إله الشر الذي كان يعبده الهكسوس، ولا يعبدوا آمون رع، وأن يغلقوا أبواب جميع معابد آمون.
يعنى يا صديقي بالبلدي ده جر شكل!
وبذلك كان القرار هو الحرب.
انفض الجمع، ودخل الملك مهموما إلى الجناح الملكي، وقابلته زوجته آحوتب وأمه تتي شيري، فبادرته أمه بالسؤال:
- ماذا أراد أبو فيس هذه المرة ؟
رد عليها مغتاظا:
- يريد أن أذبح أفراس النهر لأن أصواتها تقلق منامه في منف، ويريد أن نغلق معابد آمون رع، ونعبد معبودهم ست إله الشر الذي يقدسونه.
فامتعض وجهها، وقالت:
- في ايام حكم أبيك، كانوا يرسلون إلينا طلبا للغلال والذهب؛ فكان أبوك يعطيهم ما يريدون؛ ليبعد شرهم عنا، ولكنه في ذات الوقت كان يعد جيشا قويا في سرية تامة، لا يعلم الرعاة بأمره.
وهنا قالت آحوتب:
- أنا أرى أنهم هذه المرة يطمعون في أكثر من الغلال والذهب. إنهم يطمعون في شرفنا وعزتنا. يريدون إذلالنا!
حدجت تتي شيري الملك بنظرة تملؤها الغضب وسألته:
- وماذا كان ردك ؟
- لم أعط ردا، وسأعطيهم ردى غدا، وأنا والقادة والكهنة والحاشية قررنا الحرب بإجماع الآراء.
فقالت له أمه:
- إذن، أمض، يا بني، مؤيدا من آمون واعلم ان شرف مصر بين يديك ولاترجع إلى هنا الا وانت محرر الشمال كاملا ليس حتى منف فقط بل الى اواريس عاصمتهم فتدك حصونهم وتطرد الرعاة ذوى اللحى القذره خارج مصر ليرجعوا إلى صحارى الشمال القاحله التى جاؤا منها، ثم انصرفوا جميعا للنوم.
وفي الصباح استدعى الملك القادة والوزراء والكهنة، ثم طلب حضور رسل أبو فيس؛ فجاؤوا يمشون بخيلاء وكبر. كانوا ثلاثة من الكهنة، وحيوا الملك ،وبادر كبيرهم بالسؤال:
- ما ردك يا حاكم الجنوب ؟
فاشتعل الملك غضبا على مناداته بحاكم الجنوب. لم ينادوه بالملك، ولكنه تمالك نفسه ورد قائلا:
- قل لأبو فيس حاكم الشمال أنى لن ألبى أيا من طلباته، وعليه أن يرحل إلى الصحاري المقفرة التي جاء منها، ويترك مصر للمصريين.
فاغتاظ رئيس الرسل، وكان كبير كهنة أبو فيس، وقال بغضب:
- إنما ابو فيس هو ملك الشمال والجنوب وردك معناه الحرب.
فرد عليه الملك وقال:
- نعم، هي الحرب حتى يخرج اخركم من مصر كلها.
وخرج الرسل يشتعلون غضبا، وبادروا بالعودة حاملين الرد لأبو فيس.
أمر الملك كبير قادة الجيش بيبي أن يعد الجيش للرحيل، ويبدأ في التجمع وسط الميدان الكبير أمام معبد آمون، وينتظروا حضوره إليهم، وأمر قائد الأسطول أحمس أبانا أن يجهز الأسطول للإبحار في النيل. كان الميدان هو أوسع الميادين في طيبة، وفي وسطه، تقف مسلة ضخمة رمز شموخ وعظمة مصر، وهناك احتشد الآلاف من الناس لتوديع مليكهم وجيشهم بالهتافات والزهور.
وعندما لبس الملك لباس الحرب، وجد ابنه كامس قادم، وعليه لباس الحرب أيضا؛ فقال له:
- يا بنى! ابق هنا بدلا مني، ترعى أمور البلاد في غيابي، وترعى أسرتنا ولا تنسى ارسال المدد لنا.
وأمره بالرجوع؛ فغضب كامس وقال:
- يا والدي، خذني معك للحرب. أريد الدفاع عن شرف بلادي.
فقال له الملك:
- إن مهامك لا تقل شأنا عن القتال.
وأمره بالبقاء، وجاء ابنه الاصغر أحمس يجري إليه؛ ليقبل خد أبيه ويودعه، فنظر إليه الملك مبتسما، وقال له:
- لا تنسى أباك واذكره دائما بالفخر.
وقبله في جبهته وانصرف.
- عبد الكريم حمزة عباس يكتبــ: شاعرة من شمال بلادي: الشاعرة العراقية الكردية المرحومة كه زال ابراهيم خدر.
- سمية الإسماعيل تكتبــ: دراستي لقصة الأرجوحة الحمراء للكاتبة ليلى عبدالواحد المرّاني.
بدأ ركب الملك في التحرك، وعندما وصل الميدان الكبير، نزل الملك وسط الهتافات الحادة للجماهير المحتشدة، وعندما رأى الناس تتي شيري؛ جن جنونهم، وعلت الهتافات باسمها، ثم نزلت آحوتب، وتوجهوا جميعا إلى معبد آمون، حيث استقبلهم كبير كهنة آمون حونى، وحيا الملك، ثم دخل الملك إلى قدس الأقداس في المعبد، وقضى بعض الوقت في الصلاة، ثم خرج، فقال له حوني:
- لحظة، يا مولاى.
فقال له الملك:
- ما وراءك ؟
فاشار حونى لبعض الكهنة بيده، فأحضروا صندوقا صغيرا، وفتحه، وأخرج منه التاج المزدوج رمز الشمال والجنوب، وقال للملك:
- هذا تاج آخر ملوك مصر الموحدة، قبل دخول الرعاة مصر، اسمح لي يا مولاي!
وخلع عن رأس الملك تاج الجنوب، وتوجه بالتاج المزدوج، وعندما خرج سقننرع، ورأته الجماهير المحتشدة، وعلى رأسه التاج المزدوج؛ هللوا وارتفعت الهتافات باسم سقننرع ملك مصر الموحدة، ثم بدأت تتي شيري في خطاب حماسي للجنود؛ فصمت الجميع واستمعوا باهتمام، فقالت لهم:
- أنا أرى اليوم أمامي وحوشا وليس بشرا.. أرى وحوشا متعطشة لدماء الرعاة ذوي اللحى القذرة، الذين ساموا إخواننا في الشمال سوء العذاب، فيا أبناء النيل! يا جند مصر الأشاوس! يامن نبتت أجسامكم من هذه الارض الطيبة، وطهرت بشرتكم السمراء شمس مصر المشرقة، ارجعوا إلينا بالنصر المبين، ولا تعودوا حتى تحرروا إخوانكم في الشمال، وتطردوا آخر رجل من الرعاة خارج أرض مصر.
ثم أمر الملك الجيش ببدء التحرك، فشقت صفوف الجيش الأمواج المتلاطمة من البشر، والتي زلزلت الارض بالهتافات، وبادروا بإلقاء الورود على الجنود، ثم ودع الملك زوجته وأمه وركب عجلته الحربية، وعلى رأسه التاج المزدوج وسط هاله من عربات الحراسة، ووراءه فرقة من الحرس الملكي من رجال هابو الأشداء برماحهم وسيوفهم.
وإلى هنا، يا صديقي، نتوقف للاستراحة، وشرب القهوة.