You Create, We Appreciate

رواية ملح السراب للكاتب السوري مصطفى الحاج حسين الفصل التاسع.

رواية ملح السراب للكاتب السوري مصطفى الحاج حسين – الفصل التاسع.
استدعى الشّيخ (حمزة) حفيده (لطّوف)، وطلبَ أن يجتمعَ بهِ على انفرادٍ، وقفَ (لطّوف) أمامَ جدّهِ منقبضاً، فلجدّه هيبة عالية.
تمعّنَ الجّدُّ بحفيدهِ بدقٌةٍ، فأحسَّ (لطّوف) بالعريّ أمامَ نظراتِ الكهلِ الثّاقبة، واعتقد أنّ الجّدّ سوف يحاسبهُ على أفعالهِ السّيّئةِ، الّتي ذاعَ صيتها في كلّ مكان، لكنّه قرّر أن يكذّب كلّ التّهم الّتي سيواجهه بها جدّهُ. قال الجّدّ:
– أَمَا آنَ لكَ أن تعقلَ يا (لطّوف)؟.
أطرقَ الحفيد برهةً، ثمّ همس بصوتٍ مرتعشٍ:
– جدّي.. كلّ ماسمعته عنّي كذب وافتراء.
رمقهُ المسنُّ بنظرةٍ صارمةٍ، وصاحَ:
– أنا أعرف كلّ شيءٍ عنكَ يا مقصوف العمر.. فلا داعي للكذب.
تقدّمَ (لطّوف) خطوة من جدّهِ، دمدمَ:
– صدّقني يا جدّي… أنا تبتُ منذ زمنٍ عن ارتكاب المعاصي.
غابت الحدّة عن كلامِ المسنِّ، تحوّلَ صوتهُ إلى ما يشبه الهمس:
– أنا أريد مصلحتكَ يا (لطّوف)… إنّ ساعتي اقتربت، ويجب أن تأخذ عنّي الوكالةَ، عليكَ أن لا تضيّع هذا الجّاه،كلّ النّاس سيكونونَ تحتَ إمرتكَ، فقط تعقّل، وتطيلَ لحيتكَ، وتبدأ بالتّردّدِ على الجّامع.
قال (لطّوف) الذي أدهشه هذا القول:
– ولكن يا جدّي… أنا لا أصلح لها، كلّ النّاس فقدوا ثقتهم بي.
قذفَ المسنُّ سبحته من يدهِ، وصفعَ (لطّوف) بنظرةٍ غاضبة:
– أنتَ لماذا لا تريد أن تفهمني؟!.. قلتُ لكَ أطِل لحيتكَ، وتردّد على الجّامع، وسرعانَ ما تعودَ إليكَ ثقة أهل البلدة، فأنتَ ابن أسياد، من اليوم عليكَ أن تجالسني كلّ يوم، حتّى تتعلّم منّي كلّ شيء.
جلسَ قبالة جدّه الهرم.. وهتفَ:
– جدّي… أنا أفكّر أن أعمل في التّجارة.
حملقَ الجّد بحفيدهِ ، ثمّ أشاح وجهه المتجعّد، ذا اللحية البيضاء:
– أنتَ غبيّ.. عملنا يدرّ علينا ذهباً، والتّجارة قابلة للخسارة.
***
عندما ماتَ الشّيخ (حمزة)، كانَ جميع أهل بلدة (الباب)، يعرفونَ أنَّ حفيده (لطّوف) هو خليفته، فقد منحه جدّهُ الوكالة، أمام كلّ النّاس، في الجّامع (الكبير)، بعد صلاة الجمعة.
***
تماثلَ وجه (مريم) للشفاء، من الحروق التي سبّبها إبريق الشّاي السّاخن يوم سقط فوقها، لكنّ الصّداع الهائل لم يفارقها، بل كان يتضاعف ويزداد كلّ يوم، و مريم تشكو من الألم الفظيع تبكي، وحين حازت على اشفاق الجّميع، قالت جدّتها (الحاجّة ربّوع):
– علينا أن نعرضها على سيدي (لطّوف) فهو من أولياء الله الصّالحين.
فوافق الأهل على كلام (الحاجة)، وهكذا أمر الأبّ ابنه (رضوان) أن يذهب إليه، ويرجوه الحضور.
منذ اللحظة الأولى لدخول صاحب الكرامة (لطّوف)،وبعد أن رمقَ (مريم) بنظرة مستعجلة أمر الجّميع بالخروج من الغرفة، فتركوه مع (مريم).
طلبَ منها الاقتراب منه، امتثلت لأمره، وضع يده على جبينها، حدّق في عينيها الجزعتينِ، ثمّ حوّلَ يده إلى خدّها، راحَ يتمتم بتراتيل مبهمة، عادت يده لتمسحَ رأسها، طلبَ أن تخلعَ عنها غطاء الرّأس، ففعلت، راحت يده تمسّد شعرها الفاحم، أخذت عيناه تشعّانِ، زحفت كفّهُ إلى عنقه، تأوّهت (مريم)
إذ ما زالت آثار الحروق تؤلمها، أخذت أصابعه تجسّ كتفيها، تصاعدت دمدماته:
– هل يؤلمكِ رأسكِ؟.
هزّت(مريم)رأسها. عاد يسأل:
– هل مازالت الحروق توجعكِ؟.
كرّرت هزّ رأسها، لكنّ دموعاً حبيسة من عينيها بدأت تنسكب.
– إذاً مرّغي خدّيكِ بلحيتي.
دهشت (مريم)، تراجعت، فصاح:
– مرّغي خدّيكِ بلحيتي، فلحيتي مباركة.
اقتربت الصّبية، لصقت خدّها بلحيته الضّخمة، ألصق لحيته بخدّها أكثر، امتدّت يداه تحتضنانها بعنفٍ، اشتعلت النّار داخل عينيهِ، دمدم:
– هل يؤلمكِ نهداكِ؟.
بهزّةٍ من رأسها نفت هذه المرّة.
– هل أنتِ متأكّدة؟.
– نعم.
ارتفع صوته المبحوح أكثر:
– هل أنتِ متأكدة، أم أنّكِ لا تعرفين؟.
همست (مريم) والخوف قد سيطر على كامل وعيها:
– لا أعرف.
امتدّت يده إلى نهدها، تكوّرت كفّه فوقَ النّهد، راحت أصابعه تهرس الحلمة، كان النّهد ليّناً، دمدمَ لاهثاً:
– افتحي أزرارك.
تطلّعت إلى عينيهِ الجّمريتين:
– قلتُ لكِ افتحي الأزرار.
برزَ الصّدر الأسمر، هرعت أصابعه المتوقّدة لترفع الحمّالتينِ، تأرجح النّهدان، قبضت يداه الحارتانِ الرّاعشتانِ عليهما، اندلعَ اللهب من عينيهِ وسرت رجفة في أوصالِ (مريم) حينَ أبصرت وجهه يستطيل، همهمَ وقد اتّسعَت بُحّة صوته:
– هل توجعكِ بطنكِ؟.
– لا.
رفعَ يديهِ عن النّهدينِ ، قال بحزمٍ:
– تمدّدي أمامي.
تجرّأت (مريم) لتهتفَ:
– قلتُ لكَ بطني لا توجعني.
تراجعَ قليلاً.. تجهّمَ وجههُ، تقلّصت لحيته وهو يصيح:
– قلتُ لكِ تمدّدي.
تمدّدت كالميّتةِ، أسرعت يداه لتكشفانِ الثّوب عن بطنها:
– لماذا ترتدينَ هذا البنطال ونحنُ في عزِّ الصّيف؟!.
لم تردّ عليه، لم ينتظر جواباً، تابع رفع الثّوب، ظهرت البطّن، تسابقت أصابعه لترفعَ القميص الدّاخلي، يده تتمرّغ على البطن وتعصرها، عَلَت دمدماتهِ:
– اللهمّ أرح هذه البطن من الألمِ، اللهمّ أرفق بهذه النّعومةِ، بهذهِ الفتنةِ والسّرّةِ، اللهمَّ مكّني من مساعدتها فهي عزيزة على قلبي، اطرد عنها الجّنّ والعفاريتَ والشّياطينَ والأبالسة أولاد الكلب، اللهمّ أرحني، فأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٍ.
***
عندما سمحَ صاحب الكرامة لأهلِ (مريم) بالدّخولِ كانَ قد تربّعَ فوقَ اللبّاد وأمسكَ بسبحتهِ.
سارعت(نجوى) أمّ (مريم) لتسأله:
– خير ياسيدي الشّيخ.. طمّني؟.
ابتسم صاحب الكرامة، نظر صوب مريم المصفرّة الوجه، دمدمَ بعد أن مسّدَ بأصابعهِ على لحيتهِ المشوبةِ بالاحمرار:
– إن شاء الله خير، لا تقلقي، أريد فقط أن أبيّت لها حتّى أتأكّدَ، لهذا أريد شيئاً من أثرها ،كي أضعه تحت مخدّتي عند نومي.
قالت (الحاجّة ربّوع):
– أعطهِ غطاء رأسكِ يا مريم.
هتفَ صاحب الكرامة بسرعةٍ:
– غطاء الرّأس لا يصلح ياحاجّة.
سألَ(أبو رضوان) باستغراب:
– لماذا لا يصلح ياسيدي؟!.
– لأنّني أريد قطعة من ثيابها تكون ملتصقة بجسدها أكثر، ويجب أن تكون هذه القطعة نجسة،لأنَّ الجّنّ والعفاريتَ
والشّياطينَ والأبالسةَ، أعوذُ بالله من ذكرهم، لا يوجدونَ إلّا في الأماكنِ النّجسة والحقيرة.
صاحت الأمُّ:
– دستور من خاطرهم، دستور يارب.
تابعَ صاحب الكرامة طلاسمه:
– أريدُ سروال (مريم) ، فهو أفضل شيء(للاستخارة).
***
قبلَ وصول صاحب الكرامة، طلبت
(مريم) من أمّها وجدّتها أن لا يتركاها معه بمفردها.
قالت الأمُّ:
– صاحب الكرامة لا يقبل أن يتركنا معكِ.
وأجابت الجّدة (ربوع):
– الجّن والعفاريت والشياطين والأبالسة
لا يظهرونَ لسيّدنا (لطوف) إن بقينا معكِ.
أرادت مريم أن توضّح لهما عن أسباب مخاوفها:
– سيّدنا(لطّوف) له حركات مخيفة.
صاحت الحاجّة (ربّوع):
– طبعاً.. هكذا هم أولياء الله الصّالحين.
أدركت مريم أنَّ أمّها وجدّتها، لا تستوعبانِ ما تقصد، لذلك عزمت على المكاشفة أكثر:
– سيّدنا (لطوف) ليس من أولياء الله الصّالحين.
ذعرت الأمّ من هذا القول، وصاحت الجّدةُ بغضبٍ شديدٍ:
– اللعنة عليكِ ياقصوفة العمر، أنتِ تكفرينَ، قولي دستور من خاطره، قبل أن يفلجكِ، سيّدنا لطّوف ابن أسياد.
اقتربت الأم من ابنتها، وهمست:
-قولي يا ابنتي أعوذ بالله من الشّيطان
الرّجيم، ولا تعودي لمثل هذا الكلام، سيّدنا (لطّوف) قادر على مسخنا جميعاً.
***
وصل صاحب الكرامة (لطّوف) ، كان عابساً، استقبلته العائلة بقلقٍ وخوفٍ، قال الأب (أبو رضوان):
– خير ياسيدي.. لقد شغلتَ بالنا؟!.
تضاعفَ تجهّم وجهه، تسارعت أصابعه بتلقّفِ حبّات سبحتهِ ذات المئة حبّة، نظر صوب مريم المنكمشة على نفسها عند الزّاوية، وقال:
-( مريم) أحرقت ابن ملك الجّنِّ الأحمر، يوم أسقطت إبريق الشّاي، وهذا ما جعل ملك الجّنّ الأحمر، أن يقسم على الانتقام من ابنتكم (مريم).
ندّت عن (مريم) صرخة ذعر رهيبة، توجّهت إليها الأبصار بفزعٍ عظيم، كانت ترتعش، فكأنَّ خوفها قد تحوّلَ إلى موجةِ بردٍ قارسة.
صاح صاحب الكرامة وهو يحاول النّهوض:
– اخرجوا من الغرفةِ، ودعوني أعالجها.
Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp