كانت رسالة مصطفى يونس للقارئ الذي يتناول عمله “الكشوفات”: هذه الأوراق التى بين يديك هي أنا.. فترفق قليلا.
شعرت وأنا أتناولها بأناملي بأنها خيطت من حرير ونسجت من اللاوعي، مخالفة كل الأعراف.
مددت أناملي اليها بحذر شديد أن استهلاله بمقولة أمبروز بول توسان فاليرى وهو الناقد الكاتب الفيلسوف الذي يعتبر علامة من علامات تيارات الرمزية وأحد روادها وهو أحد تلاميذ ستيفان مالارميه أحد أكبر رواد ومؤسسي تيارات الرمزية في العصر الحديث: يا ناثانيل! أوصيك بالدقة لا بالوضوح.
وينتقل الى قول الدكتور رمضان صالح الصباغ ليقول: “نحن لا نستطيع الوصول الى عالم الحلم دون التخلي عن العقل الواعي، ولا نستطيع أن ندرك الواقع الغامض إلا بنفس الطريقة”. هذا العلامة الفيلسوف الذي أثرا الثقافة والعلم من منهاجه الغزير أستاذا للفلسفة والفن والجمال. هذا الرجل الذي كان من أولئك الرجال الذين يعيشون وفق ما يكتبون؛ لذلك رحل دون أن ينتبه له الأخرون، فهل كانت هذه اشارة ما عند مصطفى يونس؟ ليأخذنا لنطرق هذه الوريقات المسماة “ما وراء الجدار” عبر قائمة طويلة سماها الكشوفات.
- طبعة ثالثة من “كشوفات” مصطفى يونس من Kinzy Publishing Agency.
- نجوى رضوان تكتبــ: ابتعد فوراً عن كل اللي يبعدك عن نفسك.. (خيبة واحدة).
والسؤال: ماذا يقصد بها مصطفى يونس؟ وماذا يبحث فيما وراء الجدار؟ جدار ماذا؟ جدار البحث والاستحقاق والاستطلاع، أم الفحص، أم يبحث عما وراء الحجب وما وراء الحجاب من المعاني العلية والأمور الخفية وجودًا وشهودًا، أم يبحث وراء عوالم روحانية، اجتاحت روحه، أم نور قذفه الله عز وجل بقلبه، أم هو استكشاف للذات. حتى ترقى نفسه لعوالم وتعاليم الصوفية؛ فيتعلم أن يتخلى عن الأشياء وكل ما يشغله ويشغل قلبه؛ فيتحلى ليصل الى مرحلة التجلي، وهى أسمى المراتب في تعاليم الصوفية، بعد أن اكتسب عذابات نفسه؛ فكشف عنها حقيقتها، وأظهرها، بل يرتقى إلى فضحها وكشف أسرارها وكشف القناع عن خبيئة نفسه المظلمة، ليستتر في سيمفونية راقية من الكلمات والعبارات الراقية البسيطة وكأنها السهل الممتنع، ليطفو تارة ويغوص تارة أخرى مع الواقعية وتارة بخيالات الأسطورة الخيالية، ثم يرتد مرات ومرات بخياله النزق لأساليب الصوفية التي تشبه أسلوب النفري، هذا الرجل العلامة عراقي المولد الذي أتى الى مصر كي ينبت فيها جذور الصوفية؛ فأبت مصر أن يغادرها إلى أن كانت مثواه الأخير.
مصطفى يونس تمرد على الأشكال التقليدية ليطرق طرقًا جديدة وآفاق، لا يعلم عمق براحها إلا نفسه، مدونا بخياله عوالم وأزمنة مختلفة .. إلى عالم اللامحدود.
تلك هى اوراق مصطفى يونس التي ارتقى بها؛ فأوضح مقاصده ونواياه، يناجى الحاضر، ويحبو الى المستقبل! أم يقتله ماضي التف بشغاف قلبه؛ ليحتضنه بألوان قرمزية، وهبتها له إحدى الجنيات بعد أن أقطفتها له من ألوان الغروب، لتلتحف بها نفسه، فتصبح نفسًا قاتمة، تجد لذتها في تعذيب الأنا.
تحياتي وتقديري لك مصطفى يونس
إلهام حسنين رضوان