مرحبًا أخي ابن النيل، بعد محاولاتِ كثيرة من كتابة مُقدمة تليق بالنص، إلا أنني اكتفيتُ بالشروع مباشرة فيه، فلا الوصف سيكفيني ولا الكلمات أيضًا
فأنا وأنت ندري جيدًا كيف تم تصنيفُنا ظُلمًا من دول العالم الثالث، لم نُصنف من دول العالم السابع حتى! لا أعلم كيف أصبحنا هكذا؟ ونحن كُنا نعُتبر من سُلة غذاء العالم!
كانت بلادي خضراء اللون وفجأة، أصبحت صفراء، هذا قديمًا الآن هي حمراء ملطخة بلون دماء الأبرياء والشهداء..!
أنا وأنت ندرى جيدًا كيف أصبح القانون في بلادنا حبرًا على ورق فقط، بالأحرى هنا البقاء للأقوى، كقانون الغابة تقريبًا
ففي بلادنا يُعتبر الخبز من أثمن الأشياء وأعدمُها، لا يتوفر كثيرًا، وإن توفر يكون لذوي الطبقات العالية
هُنا يا أخي أصبح كل شيء مُنعدم، لا تتوفر لدينا مقومات الحياة الأساسية حتى! من ماء وكهرباء ولا حتى بترول!
تبقي لدينا الأكسجين فقط لنتنفسهُ، اُكسجين غير صافي حتى! تشوبهُ مخلفات الحرب اللعينة، تلك الحرب التى سبهها خلاف في إحدى الطرفين، متناقضين تمامًا كالثلج والنار ولكن الصفة المشتركة بينهم؛ هي صفة قتل أحدهما الآخر، وبين هذا وذاك يكون المواطن هو الضحية
وفوق هذا أصبحنا لاجئين في موطننا، ذلك الموطن الذي كنا نظن من صِغرنا أنه الأمان، ذلك الوطن الذي تعلمنا فيه لغتنا، وتعلمنا فيه أُولى خطواتنا، ذلك الوطن الذي اكتسبنا منه ثقافتنا وعاداتنا، أصبح الجميع يود مغادرته وليس تعميرهُ، ما أدركتهُ الآن؛ أن الوطن ليس حيث تولد، بل حيث تشعُر أنّكَ حيّ
ولوهلةٍ نظرتُ للحياة… لم أجد فيها سوى حلم يمر ولن يعود! كانت حياتي جرداء تمامًا، كنتُ أتمنى أن أحيا فعليًا قبل أن أموت، ولكن أحيانًا أشعر أن الحياة في الموت
عامةً، أنا في ذكرى وفاتي الرابعة
الآن، لن أطيل في الشجن، وسأظل أبحث عن وطني المفقود حتى أجدهُ، وسيظل بداخلي شعورًا يصعب وصفهُ وحديثًا أعمق يطول شرحهُ، نعم لن أنسى تلك الأيام العجاف حتى أُفنى وستبقى تلك الندبة عالقة في روحي وليست في جسدي فقط
ولكني سأتمنى دومًا أن تشرق شمس الأحد من جديد، وأن نستطيع أن نري النور مجددًا، وننام ونستيقظُ في أمن وهدوء، وأن لا يظل شعور الأمان هو الشعور الأكثر ندرة وانعدامًا
في الحقيقة أتمنى أن يكون كل هذا مجرد كابوس فحسب، وأن أستيقظ لأرى رفاقي يضحكون مجددًا ولم يُفارقوا الحياة.