لما كانت رحلة المعرفة البشرية وتطورها قد أكدت طبيعتها التراكمية، حيث تتولد المعرفة من أخرى سابقة عليها، فمن التسرع القول بأن نماذج السرد الرقمي المتاحة (ونماذجها الواردة في هذه الدراسة) منقطعة الصلة -على نحو ثوري – عما قبلها مما يشار إليه بوصفه أدبًا تقليديًا.
ربما يكون صحيحًا التأكيد على أن الوسائط تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التفكير الإبداعي، ولكن.. هل التفكير الإبداعي في طبيعته ذاتي أم أداتي؟
بمعنى هل الأزميل في يد المثال، يفرض عليه طريقة تفكيره ويحدد أبعاده الجمالية؟ أم هو مجرد أداة، يوظفها لخدمه تصوراته الفنية؟
نظن أن الوعي الجمالي يتحرك في فضاء ذاتي بالأساس، بغض النظر عن الوسيط المنتج له أو فيه. فجميعنا يعرف أن الشعر العربي على سبيل المثال، ظل يحمل موروثاته الشفهية لعدة قرون بعد ظهور الكتابة كوسيط، كما أن المقامات بوصفها فنًا سرديًا كتابيًا منذ نشأته، لم تتمكن من تطوير نفسها، وفقًا لطبيعة التفكير الكتابي، حتى أن الرحلة من الهمذاني إلى المويلحي لم تسفر عن تطور، فيما تمكنت القصة الحديثة– مثلاً- التي تشكلت عبر وسيط كتابي أيضًا، من ابتلاع وهضم ليس المقامات فحسب، بل الكثير من فنون الأدب السابقة على القصة. كما أنها التفتت إلى السينما، لتستفيد من طبيعتها المشهدية، وتقنيات الزمن فيها عبر المونتاج إضافة لإفادتها البالغة من فاعلية التجريب، فخاضت تحولات كبرى في رحلتها القصيرة، وتفاعلت مع الأنواع الأدبية الأخرى، بدءًا من إدجار آلان بو، مرورا بنتالي ساروت وتجربتها مع النص المشهدي، إلى إدوار الخراط وطموحه إلى نص عبر نوعي، فضلاً عن نجيب محفوظ في نصوص الأصداء ثم الأحلام، ثم إلى ما يوصف الآن بقصة الومضة، أو القصة الشاعرة.. إلى آخر هذه المصطلحات والمسميات المتجددة، والتي على الرغم من سعيها الدءوب لأن تستقل بنفسها، أو تقدم نفسها كأنواع مستقلة عن القصة القصيرة، ظلت مقترنة بها، ربما لأن عباءة النوع أوسع مما نظن.
لقد احتمل السرد القصصي كل مغامرات التجريب، فالسرد بطبيعته محرض على التجريب، وميلاد القصة في فضاء حداثي وتقني بعد الرواية بأكثر من قرن، ضاعف قابليتها للتجريب، واستدرك عثرات الرواية الأولى:” فقد وصلت الرواية إلى وعي ذاتها متأخرة” [1]
ومن ثم يعتقد أن الإمكانات التقنية، والنزعة التجريبية في القصة القصيرة أفادت الرواية وعززت مسيرتها عبر عمليات صغرى من التفاعل التقني بين النوعين. هذه التفاعلات ليست شكلية فحسب، بل أنتجت معها تحولات في البناء السردي، واللغة، وكثافة الدوال وطبيعة الخيال، لهذا فكل من السرد القصصي أو الروائي، لديه من الإمكانات أن يخوض تحولاً كبيرًا على الفضاء الإليكتروني، فيفيد منه ويعزز كل منهما الآخر بتجديد طاقاته التخيلية والتقنية واللغوية، لكن هذا لا يعني أن يتنازل فضاء السرد الأدبي عن هويته لصالح الفضاء الإلكتروني، بل الأغلب أن تتشكل هوية مهجنة للسرد الرقمي، على نحو ما تقول فاطمة البريكي: “تمخض الأدب عن جنس جديد، جمع بين الأدبية والإليكترونية، وهو ما اصطلح عليه في الأوساط الأدبية والنقدية الحديثة بسم الأدب التفاعلي[2]
لكنها تعود وتقول إن الرواية التفاعلية لا تتجلى لمتلقيها إلا إليكترونيا[3] لكني بعد فحص نماذج دراساتها، لم أصل إلى يقين إذا ما كانت التفاعلية التي تعنيها، تتعلق بالوسيط الإليكتروني (hyperlink ) وحده، أم بالخيال (fiction) أم بهما معًا! على أي حال هي تؤكد أن التفاعلية مصطلح فضفاض، واتفق معها، وأطرح على نفسي سؤالاً أوليًا: هل التفاعلية قيمة إنسانية، أم آلية بحتة؟ ولعل هذا السؤال يقود بحثنا إلى فهم أدق للرواية التفاعلية.
لكني أيضًا قلق بشأن نظرة (محمد سناجلة [4] إلى الوراء بغضب، فهو يرى أن الرواية الورقية اعتمدت على خيال سلفي طوال الوقت، وغير عملي، وعبرت عن وعي ارتدادي مرتبط بطفولة الإنسانية، حتى أنه يضع خيال سيرفانتيس، وكتاب ألف ليلة وليلة، وكتابات وليم فوكنر في سلة واحدة مكتظة بالخيال السلفي، كما أني لم أفهم على وجه الدقة، المقصود بأن خيال الرواية الورقية (غير عملي) ربما يقصد غير مفيد معرفيًا.
كانت رحلة السرد مرافقة لرحلة الإنسان على الأرض، ومتوافقة مع تطور وعيه بوجوده حتى صار هو مركز الكون، وكانت الرواية بوصفها نوعا سرديًا، أكثر فنون الكتابة نضجًا، إذ مرت بتحولات كبرى، تؤهلها لدخول الفضاء الإليكتروني بلا شك ومعانقة معرفة جديدة قد تكون بداية لحقبة جديدة من تطور البشرية. فعلى الرغم من مقولة (أينشتاين) الشائعة بأن الخيال أهم من المعرفة، فالعلاقة بين الخيال والمعرفة متلازمة كوجهي عملة واحدة، فنحن نعرف أن الحضارة البشرية وما وصلنا إليه الآن من تطور علمي هي نتاج رحلة طويلة لتطور الخيال البشري، من الرمز كأداة اتصال في الثقافات الطوطمية، كأن تصبح الشجرة رمزا أموميًا، تتفق القبيلة على تقديسها، إلى آخر معجم الرموز البدائية، والتي مازالت ترافقنا في أحلامنا بحسب (كارل جوستاف يونج) عالم النفس الشهير. فقبل امتلاك اللغة كانت الرموز في صورتها المرئية مرتبطة بالواقع، لكنها أصبحت أكثر تجريدًا عندما تحولت إلى علامات تتكون من حروف وأصوات لسانية، وبفضل هذا التحول تحرر الوعي البشري من سلطة الواقع ليمنح الخيال البشري فضاءً معرفيًا يساعده على تفسير ظواهر الطبيعة حوله، وتحديد موقعه منها. هذا التحول في طرائق الاتصال البشري من الرمز إلى العلامة اللسانية لم يأت بين يوم وليلة، لكنه عبر رحلته الطويلة أنتج فنونًا ومعارف شفهية، ومع الكتابة تجاوزت اللغة في وظيفتها مرحلتي الاتصال والتعبير إلى التفكير أيضًا. إن روافد المعرفة البشرية، من منطق وفلسفة وطب وفلك.. إلخ هي نوع من التفاعل الثقافي والمعرفي جاء مع الكتابة نظرًا لإمكانات الضبط والمراجعة والاستدلال التي وضعت ركائز العلوم التجريبية التي أفضت إلى التكنولوجيا مؤكدة انتصار الإنسان على الطبيعة، وتمكنه من وجوده.
وإذا كانت الرواية الحديثة بدءًا من سيرفانتيس وحتى الآن مرورًا بفوكنر هي آخر فنون الكتابة فلا بد أنها جاءت محملة برصيد معرفي وحضاري، هذا فضلاً عن تحولاتها السريعة في السنوات الأخيرة بين التقنيات والأساليب ومسارات التجريب المختلفة، لتكون مهيأة لدخول عصر جديد، حتى وإن كان له شروط جديدة، فلا شك أن السرد الروائي سيكون قادرًا على هضمها لتصبح هذه الشروط جزءًا من قوامها الجديد اليافع، لا سيفًا يفرق بينها وبين ماضيها العريق بدءا من أساطير الأولين.
نظن أن الرواية الورقية، قد هيأت نفسها لمجيء الفضاء الإليكتروني بطبيعتها التفاعلية والمعرفية، بل طرقت أبواب التفاعلية فعلاً قبيل مقدمه، كما أن خيالها لم يكن ماضويًا بالضرورة، بل متجاوبًا مع مستجدات الواقع الاجتماعي والسياسي، كما لا يمكننا في هذا الصدد تجاهل بعض صور الخيال الافتراضي في الروايات التي تستشرف المستقبل وتجعله موضوعًا لها، وهو ما يظهر في الرواية العربية عند صبري موسى في (السيد من حقل السبانخ – 1984م) التي تأسست بكاملها على واقع يفترض الكاتب أنه سيحدث في المستقبل، فللمستقبل قضاياه المرجأة التي تمس الوجود الإنساني أيضًا، وتهدده بالتشيؤ لحساب عبودية جديدة لا تقل قسوة عن عبودية العصرين الزراعي والصناعي اللذين كانا موضوعًا لكثير من الروايات في أزمنة سابقة، فقضايا الوجود الإنساني، بأبعاده الواقعية والفلسفية، والنفسية، نالت حظًا وافرًا في الأدب الورقي.
صور التفاعلية في الرواية الورقية:
الواقع أن صور التفاعلية في الرواية الورقية أكبر مما نظن فهي لا تتوقف عند حدود التناص كآلية لسانية فحسب بل تصل إلى درجة من تفاعل الخطابات الجمالية والثقافية بين الروايات التي تتعرض لموضوعات وأفكار متشابهة. كما يمكن لتعدد الخطابات في النص الواحد أن يحقق درجة من التفاعل الداخلي، ففي (حيوانات أيامنا) لمحمد المخزنجي، تتضافر خطابات تأتي من حقول معرفية مختلفة: بيولوجية، وتاريخية، وأنثروبولوجية لتنتهي (حيوانات أيامنا) في صيغتها الممتزجة بأدب الرحلات إلى بناء بحثي مقارن بين الطبيعتين الإنسانية والحيوانية. وفي سياق قريب نجحت الرواية في عقودها الأخيرة أن تتجاوز الحدود النقدية التي جزّرت كينونتها كخلق مستقل، بأن تجاوزت التصنيفات النظرية، وأكدت طبيعتها الكرنفالية بالتفاعل بين صنوفها المختلفة عندما جمعت بين الواقع والخيال في (الواقعية السحرية) كما أفادت من فكرة البحث عن القاتل بوصفها (ثيمة) خاصة بالرواية البوليسية، لتدفع بها في اتجاه بحثي بالغ القيمة على نحو ما نرى في روايات مثل: اسم الوردة لأمبرتو إيكو، واسمي أحمر لأورهان باموق، والعطر لباتريك زوسكند التي تشير إلى نفسها بوصفها قصة قاتل على ما فيها من أبعاد معلوماتية وفلسفية ونفسية عميقة.
إن محاولات قصر الرواية التفاعلية على كونها تلك التي يكتبها أكثر من كاتب فيه تعجل، لأن فضاء التجريب في الرواية يسمح بتجاوزها لحدود العمل الفردي إلى العمل المشترك. فقد استطاعت الرسائل المتبادلة بين مكسيم جوركي وتشيخوف، أن تحافظ على مستوى من الأدبية في لغتها وبنيتها، فضلاً عن مستويات من التفاعل المعرفي في الأدب والفن والسياسة.
إن استعارة فكرة التراسل كتقنية لبناء عمل روائي شائعة وقديمة ومتجاورة مع رواية الأصوات، لكنها تتطور فتصبح المراسلة وسيطًا لتشكيل بناء واحد من خلال كاتبين أو أكثر. فلطه حسين وتوفيق الحكيم تجربة مميزة تنهض على تبادل الرسائل طبعت كرواية تحت عنوان (القصر المسحور -1936م) وفضلاً عن التفاعل بين الأديبين في تشكيل نص واحد، فإن الرواية كلها تنهض على التناص مع مسرحية (شهرزاد) التي كتبها توفيق الحكيم، والتي تتناص بالتالي مع (ألف ليلة وليلة) وكان طه حسين قد وجد بعض الملاحظات على رسم الحكيم لشخصية شهرزاد، فقدم ملاحظاته في صورة محاكمة تعقدها شهرزاد لتوفيق الحكيم وأرسلها إليه، فقام الحكيم بالرد عليه مدافعًا عن نفسه، وموجها الاتهام إلى طه حسين، وهكذا.. تنتظم الرسائل بين الحكيم وطه حسين في سياق لعبة المحاكمة (اتهامًا ودفاعًا) لتحقق مستويات عالية من التعبير الأدبي والتفكير الخيالي المتضافر مع أجواء ألف ليلة وليلة، وشخصياتها، بل وتسقط على الواقع المعاش، وتختبر خطابات نسوية تناقش أحوال النساء عبر التاريخ. وخطابات نقدية، وتتطرق إلى معاني الحب، ومفاهيم في الفلسفة، مثل الخلود والعدمية، واللامعقول. إن الكتاب يقدم متعة تخيلية ومعرفية مدهشة فضلاً عن طبيعته السردية التي حافظت على مستوى لغوى بليغ وعذب، مدعم بروح تهكمية. ونتيجة لهذه الطبيعة المراوغة والمنفلتة من التصنيف، يعتبر البعض (القصر المسحور) رواية، والبعض الآخر يراها كتابًا يحمل بين طياته لعبة متخيلة ومحتشدة بمعارف عدة. وفي هذا السياق، نلاحظ أن تعبير (لعبة) متداول في الإشارة إلى الرواية الرقمية.
غير أن بنية الرسائل تكتسب بعداً جديداً على الفضاء الإليكتروني، من ذلك رواية (إيميلات تالي الليل -1911م) التي نُظمت بالتراسل بين الكاتب المصري (إبراهيم جاد الله) والكاتبة العراقية (كليشان البياتي) لتدور أحداثها حول وقائع الغزو الأمريكي للعراق، واعتقال (كليشان البياتي) بتهمة دعم المقاومة. وبعد اكتمالها طبعت الرواية ورقيًا.
وفي سياق قريب من هذا صدرت ورقيًا رواية (روجرزـ 2007م) لأحمد ناجي، التي تشكلت بنيتها الأساسية على مدونة (وسع خيالك) من خلال مداخلات مشتركة، كان يديرها الكاتب بنفسه، ولهذا كان حريصًا على أن يؤكد بنبرة تهكمية، أن روجرز ليست رواية بالمعنى المعتاد بل هي مجرد لعبة، وهو نفس الوصف الذي أطلق على رسائل (طه حسين والحكيم) وقد استطاعت الرواية في ثوبها الورقي، أن تتنقل بين فضاءات مختلفة، تنطلق من ألف ليلة وليلة، إلى أفلام الأينميشن وطوابعها الفانتازية، ثم تتناص بوضوح مع فيلم (الجدار) لتدخل في رسومه المتحركة وأغاني (بنك فلويد) ثم ترجع إلى خيال أسطوري لعوالم سحيقة حتى عصر التنانين، وهكذا تتنقل الرواية بين أزمنة وأمكنة في حراك ديناميكي يبلغ غايته من التفاعل بين عوالم عديدة.
لكن أي من الروايات المشتركة التي أشرنا إليها، لم يطلق عليها كتابها (رواية تفاعلية) برغم وعيهم بها كلعبة سردية مشتركة منذ طه حسين وتوفيق الحكيم. لكن الأمر يبدو أنه يتطور ليعبر عن هويته بشكل أوضح. ففي عام 2014م تشكلت مجموعة من أربعة كتاب مصريين (محمود عبد الحليم، ياسين أحمد سعيد، داليا مصطفى صلاح، مصطفى جميل) أطلقت على نفسها جماعة (لأبعد مدى) وبدأت في إصدار سلسة من الروايات المشتركة تحت مصطلح الرواية التفاعلية، وأطلقتها على شبكة الإنترنت مباشرة، فهم على درجة من الوعي والقصدية بالتفاعلية منذ البداية.
أول أعمالهم كانت رواية (أمسية مظلمة) وتتكون من عدة حلقات، كل حلقة مكتوبة باسم مؤلفها الحقيقي وهو راويها وبطلها الرئيس، يشاركه في البطولة باقي فريق العمل ويحضرون بأسمائهم الحقيقية أيضًا. ومع ذلك لا يمكن اعتبارها رواية أصوات متعددة فحسب، فهى تتميز بتعدد أنماط الخطاب السردي، بين القصة والرواية والمقال والعرض المسرحي.
إن للخيال الأدبي فاعلية بالغة وبليغة، تمكنه من التفاعل مع سياقات موضوعية ومعرفية وتخيلية عديدة، وتتشكل عبر أبنية غير نمطية، قادرة على استيعاب خطابات مختلفة، بين الأدب والفسلفة وعلم النفس والأنثروبولوجي بل وعلوم المستقبل. والممارس للتجربة الإبداعية، يعرف أن كل رواية تنتج خيالها ولغتها. لهذا فالنظر إلى خيال الرواية الورقية بوصفه خيالاً سلفيًا ارتداديًا كما يقول (محمد سناجلة) فيه تعجل ينشأ عن حماس ويفضي إلى خلط المفاهيم والتصورات والمصطلحات، على نحو ما يقول سعيد يقطين في معرض كلامه عن الرواية التفاعلية: “شاع في العديد من الدراسات العربية التي تذهب إلى أن “الرواية” ظهرت في التراث العربي، خلط واضح بين الجنس و النوع علينا تبينه وتجاوزه، إن تبين هذا الخلط وتجاوزه في آن يسمح لنا بالتفكير في تطور الرواية العربية ورصد صيرورتها بمنأى عن أي مصادرة أو اختزال” [5]
وفي هذا السياق يذهب (يقطين) إلى أن تجارب الرواية العربية أفادت من التراث العربي، كما أفادت من الرواية العالمية، وتفاعلت مع الواقع في قضاياه وتحولاته، ونجحت في اقتحام مجالات السينما والدراما التلفزيونية، ويدعو في نهاية مقاله إلى استثمار العجائب والخيال العربي الإسلامي الخصب في بناء تفاعلي جديد لا يهاب الحواسيب وتكنولوجيا الاتصال المختلفة [6] .
نفهم من كلام (يقطين) أنه لا غضاضة على الإطلاق أن تستعين الرواية التفاعلية بخيال ما قبل الرقمية، مهما كان موغلاً في قدمه. إن مراجعة تصوراتنا عن الرواية الورقية، قد يسهم بدرجة كبيرة في فهم ما نحن مقدمون عليه تحسبًا من نتائج الاندفاع بحماس إلى مستقبل لم نمتلك أدواته بعد، بل ولم نسهم في صنعه، فليس علينا البدء من نقطة الصفر. أظن هذا ما يقصده (يقطين) مع التأكيد –من جانبنا – على أن الخيال العربي ليس فقط هو الخيال العجائبي الإسلامي. والحق ما قاله، فما دامت الرواية العربية قد وصلت إلى درجة من النضج والاستقرار، فلن نخشى عليها الحواسيب وتكنولوجيا الاتصال.
سلطة الوسيط:
هل للوسيط الرقمي سلطة على النص الأدبي؟
سؤال نطرحه ونحن نتأمل تنازع السلطات على الأدب من: المؤلف إلى النص إلى المتلقي إلى الوسيط.
لكن ثمة ملاحظة أولية، قد تجيب عن السؤال، وهي أن حجم المنتج الإبداعي للرواية الرقمية مازال أقل من أن يؤكد هويته، بوصفه فنًا روائيًا جديدًا، سواءً في حرفية صناعته، أو تقنياته المتاحة. ويبدو الأمر أكثر حدة في مجتمعاتنا العربية، حيث تنخفض مهارات التعامل مع الوسائط الإلكترونية لدى الكاتب والمتلقي معًا، ولهذا فالقول بأن هذا المنتج الضئيل من الأدب الرقمي، يمثل جنسًا مستقلاً ومنبت الصلة تمامًا عن مثيله الورقي فيه مبالغة، وذلك بالنظر إلى تاريخ الأدب، وتطوره، وتطور ذائقة المتلقي معه. وقد رأينا فيما سبق، كيف طرقت الرواية الورقية صورًا عديدة من التفاعلية. علينا أن نضع في الاعتبار أن ليس الأدب الرقمي فقط يعاني أزمة البدايات، بل تلقينا له أيضًا، بما يعني أن علينا التعامل بحذر مع إحصائيات المشاهدة التي يعتمد عليها كتَاب ونقاد الإنترنت، فهي ليست افتراضية فحسب، بل الكثير منها عابر وسطحي من قبيل الفضول لمعرفة ما هو جديد.
ويبدو لي أن بعض الدراسات الأكاديمية حول الرواية الرقمية، انطلقت بدافع الفضول والحماس للجديد أيضًا، وباستثناءات قليلة، فأغلبها يتشابه في شواهده، وتعريفاته ومفاهيمه، كونها تنقل عن بعضها البعض، نظرا لمحدودية الرصيد النقدي لفن أدبي جديد وقيد التشكل. وعلى ما سبق، وإيماءً لما هو قادم، باعتبار أن مستقبل التكنولوجيا واعد بالكثير مما لا يمكن توقعه، فإن كل رؤية أو بحث نظري في موضوع الرواية الرقمية حتى الآن، لن يكون مؤسسًا على مراجع وشواهد كافية لتمدنا باليقين، ولاسيما أن جانبًا كبيرًا من أدوات الرواية الرقمية، ليست في يد نقاد الأدب، بل في يد فئة المبرمجين والتقنيين المهرة، الذين يفاجئونا كل يوم بجديد، يضطرنا في كثير من الأحيان، أن نعيد النظر في كثير مما عرفناه.
وعليه، فإن مراجعة الرؤى والنظيرات التي قدمت حول علاقة الأدب بالتكنولوجيا ضرورة ضامنة لأن تمضي التجربة على قدميها بثقة، غير أن هذا ليس مقصدنا في هذه المقاربة النقدية، لولا أن واجهتنا بعض تساؤلات، وملاحظات تستدعي استجلاء الكثير من الملتبس والمتشابه بدءًا من طوفان المصطلحات والمفاهيم حول الرواية الرقمية، انتهاء بآليات تخنق النص الأدبي، فتجعله محدودًا ومتشابها، نتيجة لأسبقية التصميم الذي يحد من أفق توقعات القارئ، وهو ما لاحظناه في النصوص التي استخدمت تقنية الارتباط التشعبي على وجه التحديد، بوصفها أداة التفاعلية الأكثر استخدامًا في الأدب الرقمي. فالكثير منها يستخدم في غير موضعه، ولا يحقق وظيفة جمالية من أي نوع، كما لا يمكن الوثوق في الوظيفة المعلوماتية له في فضاء حر ومفتوح لكل من يشاء، بما يفقده كثيرًا من الموثوقية.
وقد لاحظتُ في بعض نصوص (غرف ومرايا)[7] روابط تفضي إلى معلومات غير ذات صلة بالموضوع، أو غير دقيقة. وفي (محطات)[8] تتوقف وظيفة الروابط على وصل مجموعة من النصوص المكتوبة في أفق واحد، وهو تصميم مسبق يحقق بديلاً لفكرة المجموعة القصصية، ولكنه على الرغم من ذلك لا يثنينا عن قراءة كل نص منفردًا، دون التزام بحركية الروابط، بما يعني أن النص يمكن أن يكون مكتفيًا بذاته، مُشبعًا في دلالته ومُحققًا لدرجة من التفاعل الداخلي، لكنه في نفس الوقت يحقق قدرًا كبيرًا من التفاعل بين النصوص التي تحتفظ بعناصر السرد، كالمكان والحدث والشخصية، فتحقق نسقا بنائيًا يذكرنا بالمتتاليات القصصية، فالروابط في (محطات) تسهم في تشكيل الفضاء المكاني لمجمل النصوص، حيث أجواء الريف ألمغاربي، كما تسهم في تحديد أبعاد الشخصية ولا سيما الثقافية، فالمفترض أن محطات (سيرة افتراضية لكائن من ذلك الزمان) كما يوصفها أشويكة. لهذا فإن تقنية الروابط المتجاوبة بين النصوص حققت هدفها في بناء (محطات) لتمتلك وحدة عضوية تقترب بها من الرواية على الرغم من توزعها بين نصوص منفصلة. لكن هذا يمكن أن يتحقق في الأدب الورقي بفضل أسبقية التصميم الكلي للنصوص حتى يقترب العمل من الرواية. لدينا الكثير من الأعمال التي نجحت في تحقيق هذا، منها (وردية ليل) لإبراهيم أصلان، وهي أيضًا سيرة قصصية لعامل بمكتب التلغراف، حيث تدور كل أحداثها فيه. وقد أحدثت وقت صدورها ( 1977م) جدالاً نقديًا حول هويتها بين القصة القصيرة والرواية.
في جميع الأحوال يظل المجد في (غرف ومرايا ومحطات) هو فضاء الأدبية وليس الفضاء الإليكتروني. إن كل نص، يحضر بقيمه الجمالية الكتابية المعهودة في القص الورقي، بما يعني أن الإضافات التي تحققها الروابط بين النصوص ليست فارقة في التشكيل الجمالي للنصوص، لكن هذا ليس حكمًا قاطعًا على تقنية الارتباط ألتشعبي، ومدى قدرتها على التجانس ولحم النصوص المكتوبة لتزيد من طاقتها الدلالية وفاعليتها الجمالية. فهي في سياق آخر كما في روايات (محمد سناجلة) أكثر فاعلية في تشكيل شبكة العلاقات الدلالية، والسمات الجمالية، كما أنها تمثل إضافة على المستوى ألمعلوماتي. بما يعني أن تقنية الارتباط ألتشعبي، لا تحتاج خبرة ومهارة بإمكانات الوسيط الإليكتروني وأدواته فحسب، بل تحتاج مهارة فنية عالية في رسم خارطة كل نص ونتائج اتصاله بالنصوص الأخرى.
وهنا يجب الإشارة إلى أن أعمال (محمد سناجلة) تنتج من خلال مؤسسة للتصميم والنشر، بما يعني أن إنتاج نص رقمي متفاعل على مستوى جيد، لا يتحقق بجهد فردي شأن الرواية الورقية، بل يحتاج لفريق عمل من التقنيين المهرة، سواء الضالعين في إنتاج النص مباشرة، أو الذائبين في الفضاء الإليكتروني من مصممي ومنتجي المواد التي تحيل إليها الروابط، كالصور والفيديوهات والمعلومات.
وهكذا يخرج العمل من إطار الحساسية الفنية إلى الصناعة، كما هو الأمر في صناعة السينما. ومن ثم فالتساؤل عن مستقبل الأدبية يطرح نفسه: هل يمكن أن يبتلع الفن السابع (السينما) فنون الأدب؟
ثمة تغير واضح في العلاقة بين الأدب والسينما عالميًا، فبعد أن كان الأدب مصدرًا لإلهام السينمائيين خلال القرن الماضي، أصبح العكس هو ما يحدث، بل يبدو أن كثيرًا من روايات الشباب تعكس شغفًا ليس بالتناص مع الأفلام فحسب، بل بالاقتباس منها أو محاكاتها، على نحو ما نرى في روايات الرعب والمغامرات التي تحكي قصص الفامباير والزومبي والمتحولين والكائنات الفضائية. وقد أشرنا سالفًا إلى رواية (روجرز) لأحمد ناجي، وظني أن هذه الظاهر تحتاج دراستها بدلاً من تجاهلها ووضعها في دولاب الأدب المبتذل. وقد سبق أن تناولنا هذه الظاهرة بتفصيل أكبر.[9]
ربما هذا النهج في صناعة نص رقمي، يحقق مفهوم الرواية التفاعلية على نحو أكثر رسوخًا، بوصفه نصًا يتشارك في كتابته أكثر من كاتب، ويتفاعل مع أكثر من وسيط، ويستفيد من أكثر من مصدر أمرًا ممكنا، ولكنه يدعونا للتفكير في أدبية النص. فإذا كانت اللغة بوصفها جهازًا لسانيًا تشير إلى خارجها، بمعنى أنها تمتلك قدرة على التناص مع نصوص أخرى، فإن المادة المستعارة من شبكة الإنترنت تشير إلى نفسها فحسب، وتتعين في النص بوصفها أيقونات معدة سلفا ومطروقة على شبكة الإنترنت. فهل يؤثر هذا على طاقتها التفاعلية مع العلامات النصية الأخرى؟
فاعلية الخيال الأدبي
تاريخيا مر السرد بتحول كبير من الشفاهة إلى الكتابة، والواقع أن الطابع التفاعلي للمرويات الشفهية لا يستهان به، فالمرويات الشفهية كالأساطير، والحكايات الشعبية، والسير وغير ذلك من فنون الأدب الشفهي أو الشعبي، تتغير صورتها في كل مرة، بإضافات أو تعديلات وفق ثقافة كل راوٍ لها، ووفق خبراته الذاتية، وقدراته التخيلية، حتى أنها في كل مرة، تبدو خلقًا جديدًا، ثم تتفاعل من جديد، مع متلقين أو رواة جدد. وقد ترك هذا أثرًا على التفاعل بين الثقافات المختلفة، بحيث يصعب نسبة الكثير من المرويات إلى موطنها الأصلي، بما ينتج نصًا عابرًا للثقافات كما هو الحال في ألف ليلة وليلة. لكن الكتابة أخضعت المرويات لعمليات من الضبط والمراجعة والتوثيق وغير ذلك من أدوات التحقيق. ونتيجة لذلك، فلم تكن الكتابة مجرد وسيلة للتدوين، بل طريقة للتفكير أنتجت مناهجها وطرق بحثها، والتعرف على الموضوع فيها، أو المحرَف عن أصلها، أو المقتبس منها، وغير ذلك من صور التضمين والتناص التي أصبحت جزءًا من علوم السرد الحديث. وهكذا أصبحت الكتابة مرادفًا لرحلة المعرفة البشرية، بفضل شغفها بالحقيقة والموثوقية المغلفتين بخيال لغوي. وخلاصة كل هذا، أن حصلت الرواية الورقية على خيال مهذب، واقعي وموضوعي، بفضل تعانقه مع المعرفة. لقد اقترب السرد الورقي في مراحله الأخيرة لأن يكون طريقة للتفكير، وليس مجرد وسيط لنقل حكاية، فهل يمكن للرواية الرقمية أن تفيد من ذلك الرصيد؟
لكن.. علينا أن نأخذ في الاعتبار أن المعرفة الحديثة بعد موت الفلسفة لم تعد دربًا من التأمل الذاتي. بقدر ما هي قدرة على تحليل البيانات واختبار المعلومات التي توفرها الحواسيب. والتي هي في الأصل نتاج تاريخ المعرفة والعلم. ولو تمكنت الرواية الرقمية من خاصية تحليل البيانات لضاعفت من فاعليتها لعشرات المرات. لكن ما نلاحظه حتى الآن في الكثير من النصوص الرقمية هو أن الروابط اللغوية تكتفي بدورها الإشاري.
هذا الدور الإشاري يمكن أن يحقق إضافات جمالية للنص المكتوب. فالرابط الأخير في قصة (هي والحمام) للبيبة خمار، يحيلنا إلى نفس القصة ولكن مكتوبة ومصورة بتقنية الفيديو. ومصحوبة بموسيقى (حنين) لجوفاني مرادي. لتقدم لنا معادلاً مشهديًا للنص المكتوب. لكنه يسرب شعورًا رومانسيًا دافئًا ومغايرًا لما صدره لنا النص المكتوب المحتشد بلغة فوارة، وخيال حوشي. والحقيقة أن فاعلية الخيال عند (لبيبة خمار) في نصوصها المكتوبة تقترب من الشعر. أعلى من أن تلاحقها المشاهد المصورة. فأي إمكانية تصويرية يمكن أن تحقق نصًا كهذا:” وكان كلما اتصل، تكلم، أقفل الخط إلا هزت برأسها فتتساقط قشور البيض صلبة، دامية، ويختبئ الباقي، يراقب، وينتظر تصاعد الأبخرة إلى الرأس ليتكور، يفقس، ويطير سرب حمام.
فيما نجح محمد سناجلة في أن يجعل الصورة المستعارة تشير إلى خارجها مرة أخرى من خلال تقنية كتابية قديمة هي (الإسقاط) وهي تقنية لصيقة بالرواية التاريخية. أفاد منها (سناجلة) كثيرًا في تصميمه رواية (ظلال العاشق) فالكثير من الروابط تسقط على وقائع وأحداث حقيقية حدثت في أزمنه وأمكنة أخرى غير زمان ومكان الرواية. لكن أبرز ما يستوقفنا منها الربط الذي يسقط على مشهد حرق الطيار الأردني (معاذ الكساسبة) فبغض النظر عن الأثر الحسي العنيف الذي يتركه الفيديو على المتلقي. فهو يحلينا من جديد إلى خارج النص. إن الفيديو مستقلاً كما بثته بعض القنوات الإخبارية يحفزنا لإدانة الحدث بوصفه استثنائيًا في عصرنا، لكن إذا وضعناه في سياق تاريخي، لا يحلينا إلى سوابق مماثلة لمحاكم التفتيش فحسب، بل إلى التفكير في أن رحلة الوجود البشري لم تخلصنا من همجيتنا بعد وكأن الهمجية غريزة عابرة للحضارات والأديان. أي أن الإفادة من تقنيات الكتابة الورقية يمكنها أن تحقق قيمًا جمالية يصعب تعويضها. لهذا فليس من الحكمة التخلي عنها لمجرد مجاراة الجديد. على الأقل في الوقت الحاضر. إذ مازالت قيم الكتابة وأساليبها حاضرة وفاعلة في حياتنا. ولعل هذا ما تومئ إليه (عبير سلامة) [10] عندما اعترضت على استخدام محمد سناجلة لمصطلح (الواقعية الرقمية) حيث ترى الواقعية مصطلحًا مستعارًا من سياق نظري سابق على الرقمية. فيما تفضل (زينب خليلي) [11] أن تستخدم مصطلح (الرواية التفاعلية) لتبدو التفاعلية بديلا للرقمية أو مرتبطة بها دونما التفات إلى أن التفاعلية سمة نصية بالأساس. كون النص جهاز نقل لساني وتواصلي بحسب جوليا كريستيفا.
التفاعلية الرقمية وأبعادها الجمالية.
يلفت (عبد النبي اصطيف) انتباهنا إلى أن التفاعل خاصية داخلية للنص. حتى لو نهضت على استعارات من خارجه: “الحقيقة الأكثر أهمية وخطورة في مسألة تفاعل النصوص هي أن النصوص لا تتفاعل بوصفها مجرد نصوص، ولو كانت كذلك لصح النظر إلى تفاعلها على أنها مجرد اقتباس أو تضمين أو تأثر بمصادر معينة، يستطيع أن يحددها القارئ الخبير المطلع، ولكنها تتفاعل بوصفها ممارسات دلالية متماسكة. إنها تتجاور وتصطرع، وتتزاوج وينفي بعضها البعض الآخر، أو باختصار عندما تتفاعل نصيًا، تتفاعل بوصفها أنظمة وعلامات متماسكة لكل منها دلالته الخاصة به، وهذه الأنظمة عندما تلتقي في النص الجديد، تسهم متضافرة في خلق نظام ترميزي جديد، يحمل على عاتقه عبء إنتاج المعنى أو الدلالة في هذا النص”” [12]
تأتي مشكلة التفاعل نتيجة لأن النصوص الرقمية المتاحة حتى الآن، تنشأ أساسًا على نهج كتابي. وتتشكل في وعي كاتبها عبر طرائق التفكير والتعبير الكتابيين. ثم تأتي مرحلة الإخراج الفني، وهي التي تبدو أكثر وضوحًا وانضباطًا عند (محمد سناجلة) وفي مجمل نصوصه.
الإخراج الفني عملية مركبة تحتاج شخصًا قادرًا على الجمع بين طريقتين للتفكير: اللساني، والأيقوني/ البصري، وفيها يتم دمج العلامات والأنظمة الكتابية في منظومة من الرموز الصوتية والبصرية. الأمر يحتاج قدرًا من التصميم المسبق لتشكيل النص على الفضاء الرقمي. فالعلامات الكتابية تنتج دوالاً تتفاعل داخل نظامها، يستدل عليها القارئ بخبراته ومستويات تلقيه. بينما الرموز متعينة لا تحتاج إلى لغة. وعند دمجها بالرسوم تصبح أيقونات.
فإذا كانت اللغة تشير إلى شيء خارجها، فإن الأيقونة تشير إلى نفسها فحسب. ولذلك هي تأتي محملة برصيدها الرمزي. فإذا كان اللون الأحمر يرمز إلى الخطر كنظام ثقافي عالمي، فلا يمكننا التفكير فيه بعيدًا عن معنى الخطر، فيتوجه وعي المتلقي إلى مثيرات الخطر وصوره، وما يترتب عليه من انفعالات حسية تنتج عن زيادة الأدرينالين في الدم كاتساع حدقة العين وازدياد ضربات القلب. وهكذا يمكن للروابط التي تحيل إلى أيقونات ذات صلة وثيقة بالعلامات اللغوية أن تحقق قدرًا معتبرًا من التفاعلية.
تأتي فاعلية الخيال الأسطوري نتيجة لحمولتها المكثفة من الرموز والأيقونات، وهي مازالت تسكن حياتنا وتشكل وعينا حتى الآن. بل تزداد كثافتها في كل يوم. فلم تعد تقتصر على المراسم الدينية. بل تجاوزتها لتصبح كامنة في اللافتات والعلامات التجارية، والخطابات السياسية، وملاعب كرة القدم. ولم تعد الرموز صورًا فحسب، بل أصوات وحركات أيضًا، فالدقات الثلاث على خشبة المسرح رمز، ورفع الراية في مباراة كرة القدم رمز، والحركة الدائرية لمؤشر البحث على شاشة الحاسوب رمز وكذلك أسهم التنزيل، بل اللون الأزرق للكلمات رمز الارتباط التشعبي. إن الفضاء الإليكتروني يحتشد بالرموز والأيقونات، التي تمثل لغة عالمية عابرة للثقافات، حتى أن كاتب النص الرقمي لا خيار أمامه غير التعامل معها كلغة عالمية. بما يعني أن كل نص رقمي، لديه إمكانية التفاعل مع نص رقمي آخر. وهكذا نحن نكتب نصًا واحدًا لا ينتهي. عندئذ يكون السؤال عن مستقبل الأدبية مشروعًا.
لكن علينا أن نضع في الاعتبار، أن كل المدركات الحسية من صوت وصورة وحركة ولمس، تنتج عبر عمليات ميكانيكية لا دخل للإنسان فيها، وتتم في حافة الجذع المخي الذي يخاطب كل الغرائز ويعمل علي تلبية احتياجاتها عبر نظام كيمائي محدد، فالمشاهدات المثيرة جنسيا مثلاً، تحفز الدفق الهرموني في الجسم، والمشاهدات العنيفة أو المخيفة تفرز الأدرينالين، والموسيقى الهادئة (كالتي استخدمتها لبيبة خمار) تسرب شعورًا بالراحة نتيجة لتحفيز هرمونات السعادة (السيراتونين، والدوبامين) وهكذا.. فإن ميكانيزم الحواس يسيطر على المشاعر ويوجهها، ويعمل على تعطيل عمل القشرة المخية الأمامية، المسئولة عن الخبرات والمعارف والاختيارات والتفاعلات الاجتماعية. لهذا فإن القيم البصرية والصوتية والحركية التي توفرها الروابط على شاشة الحاسوب، قد تحفز قدرًا من الإثارة الحسية، ولكنها لا تمكن القشرة المخية من التفاعل معها. بما يعني تقييد طاقة الخيال الذاتي والنشاط الذهني للمتلقي. في هذه الحالة، سيكون متلقيًا سلبيا. إنها الوصفة السحرية التي تراهن عليها السينما التجارية، أن تحقق نشاطًا كبيرًا من الإثارة الحسية، في أفلام الأكشن، والرعب، والبورنو، فيما تعطل عمليات تحليلها. ومع الوقت تصبح عقولنا في خدمة ما يقدم لنا، ومن هنا يتحسس علماء الدماغ من سيطرة الحواسيب على طرائق تفكيرنا.
كما أن الروابط تقدم لنا خيالاً مقيدًا ومعد سلفًا، كما تقدم معارف موجودة بالفعل، ومحكومة بسياق محدد، توفره المادة المتاحة على شبكة الإنترنت. وقد رأينا في بعض نصوص (غرف ومرايا) روابط تفضي إلى معلومات غير متفاعلة مع موضوع القصة ولا تضيف إلى الخيال الشعري الذي تتمتع به قصة مثل (انتصار). نقرأ في هذه القصة: “اصطياد الذباب هوايتها المفضلة، كانت تجلس الساعات الطوال تحت الشمس الحارقة تطيح بالأولى، فالثانية والثالثة..” وإذا كان موضع الرابط يتمثل في كلمة (الشمس) فهو يفضي بنا إلى موقع ويكيبيديا لنقرأ الآتي: “اشتق اسم عنترة من ضرب الذباب يقال له العنتر وإن كانت النون فيه ليست بزائدة (مثل قبيلة كندة أصلها كدة) فهو من العَتْرِ والعَتْرُ الذبح والعنترة أيضًاً هو السلوك في الشدائد والشجاعة في الحرب” “[13]
صحيح أن شبكة المعلومات التي أدخلنا إليها الرابط ثرية وذات صلة ببعضها البعض، لكنها قد لا تصل بنا إلى بؤرة تفاعلية مع النص نفسه. بل قد تعطل هذا التفاعل إذا ما فكرنا في تتبعها، كونها معلومات مجتلبة لم تدخل في نسيج النص، ولا تصدر طاقة شعورية بقدر ما تظل مجرد معلومة. بالتأكيد جهلنا بأن اسم (عنتر) مشتق من ضرب الذباب لن يؤثر على تلقينا لنص لبيبة خمار.
وفي سياق آخر فإن الروابط قد تحيلنا إلى صور وفيديوهات وأغانٍ مطروقة ومشهورة، لا لشيء إلا لأنها المادة المتوفرة على شبكة الإنترنت. في النصوص الرقمية، علينا الانتباه إلى أن المتلقي لا يتعامل مع أرقام. بل مع نص محتشد بالعلامات والدلالات التي ينتجها وعيه. لهذا قد نشعر بالخديعة مع رابط يطيح بنا بعيدًا أو يقدم لنا شيئًا مطروقًا أو مكررًا على نحو ما شعرت به في (ظلال العاشق) عندما أحالني الرابط إلى (أنيميشن) للعبة استراتيجية، ثلاثية الأبعاد/ 3d. ربما المتلقي يحتاج جهدًا خاصًا في تصميم النص يساوي جهده في التلقي مثلما رأينا في رابط حرق الطيار الأردني وآثاره التفاعلية القوية.
إن اللون والصورة والصوت والحركة تحقق قيمًا تفاعلية في حد ذاتها، لكن توظيفها لصالح النص الكتابي لا يعني اجتلابها كاجتلاب القوافي، بل يحتاج إلى حساسية عالية وآلية معقدة للتوليف والنظم والابتكار. لأن أي خلل سوف يخرج القارئ من نطاق التفاعل. والواقع أننا وجدنا هذه الحساسية في نصوص محمد سناجلة، ولاسيما المقدمات التي تحتاج عناية خاصة بوصفها عتبات أولى لعالم النص.
في (ظلال العاشق) نلحظ أهمية التصميم المسبق، وضرورة المُخرج الفني.
في مفتتح الرواية تباغتنا دقات طبول الحرب، وتتحرك صور ظلية (سلويت) لفرسان يصاحبها صوت يشبه العويل كأنه يأتي من الماضي السحيق. المكان صحراوي معبق بالغبار. عندئذ يظهر عنوان الرواية بلون أحمر دموي يسيل ويتقاطر. وفي آخر لقطات المشهد الافتتاحي يظهر ظل الفارس (سلويت) جالسًا على تل وبجواره راية ترفرف وفي مواجهته قلعة تحترق تفر منها طيور مفزعة. إنها علامة مركبة على الانتصار. عندئذ يظهر النص في صورته المكتوبة على ورق أصفر قديم متآكلة حوافه لنصبح في قلب الحدث بلا مقدمات:” أحاط بنا الأعداء من كل الجهات. العبرانيون من بني إسرائيل بقيادة ملكهم الطاغية أخاب بن عمري وحلفاؤهم من الأدوميين والبدوان وقطاع الصحاري جيشوا جيوشهم وهاجمونا “لقد حلت عتبات النص في الرواية الرقمية بإمكاناتها الصوتية والبصرية والحركية مكان المقدمات في الرواية الورقية. وبها تتأكد ضرورة التفاعلية من خلال ترك مساحات في النص المكتوب ليملأها النص الرقمي. غير أننا نلاحظ الإفادة من أساليب (التتر) في الدراما التلفزيونية.
إن الحكاية في الرواية الرقمية لا يمكنها أن تستمر بدون اللغة كما هو الحال في الدراما التلفزيونية والسينما. فالعلامات اللسانية تظل هي الأقدر على حمل حكاية متماسكة في دلالاتها الداخلية، نعرف هذا في الحكايات الشفهية والكتابية معًا. ومهما كانت الوسائط الأخرى التي تسهم في إنتاجها. إذ يظل الفيلم السينمائي والعرض المسرحي في حاجة إلى اللغة لتكتمل الحكاية. عندئذ يلتفت القارئ إلى إيقاع جديد هادئ ومرتب وهو يتحرك في عمق الحدث منفردًا بتشكيله. إنه إيقاع الكتابة. لهذا فإن النص الكتابي في (ظلال العاشق) يظل حاضرا بقوة، فنشعر به بمجرد تجاوزنا لعتبته الرقمية المنفذة بدقة بحث ينتبه المتلقي لقيم جمالية بصرية وصوتية. في آن بما يمنح النص طاقة تفاعلية أكبر.
العنصر الكتابي:
العنصر الكتابي يمثل الكتلة الدلالية الأكبر في نص (ظلال العاشق) سواء في متنه أو هوامشه ذات الصفة المعلوماتية. ومن ثم هي كتلة حاضنة لكل العناصر الجمالية الأخرى تقريبًا بحيث يمكن وصفها بالعنصر المهيمن الذي وصفه (جاكبسون) بأنه العنصر الذي يحتل البؤرة من العمل الفني ويحكم غيره من العناصر بل ويحددها بما يعني أن النص الكتابي في (ظلال العاشق) هو الذي يحدد النوع الأدبي للعمل بوصفه رواية تتناول فترة من تاريخ الأردن. وبالتحديد تلك الفترة التي بدأ فيها عدوان (آخاب بن عمري) ملك اليهود والأدوميين على مدينة (ديبون) أو ذبيان حاليًا، والتي تقع في جنوب الأردن. لم يكن بوسع النصين البصري والصوتي تجسيد هذا الإطار الحكائي للرواية وإلا تحولت إلى فيلم وثائقي.
في الواقع إن المعاني والدلالات التي قرءنا بها عتبة الرواية (التتر) لم تكن متاحة إلا بعد قراءة النص المكتوب والتعرف على تفاصيل الحكاية كلها. بما يعني أن العلاقة بين النص المكتوب وعتبته تفاعلية بحيث يشير كل منهما إلى الآخر ويكتمل به.
يأتي السرد بضمير المتكلم على لسان (ابن ميشع بن كموشيت) ليبدأ بحكاية غزو اليهود لمدينة ديبون، وهزيمة أبيه (ميشع بن كموشيت) واضطراره للتحصن بقلعة ديبون. يستمر التسلسل التاريخي للحكاية بدءًا من رؤيا الكاهن كموشيت التي تقضي بذبح ابن ميشع. ثم يتم فدوه برؤيا أخرى تستخدم لغة متناصة مع القرآن الكريم “إنا قد فديناه بذبح عظيم واعتقناه وآزرناه بنصرنا أبد الآبدين” ما نعنيه أن النص المكتوب هنا لم يتخل عن آليات تفاعله مع نصوص أخرى مكتوبة. وهو ملمح نجده في شواهد كثيرة وفق الروابط المتاحة. فالرابط رقم (6) من الرواية يقتبس على نحو واضح من شعر عبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة وهو يرثي نفسه قبيل استشهاده حاملاً الراية. وهنا نتذكر الراية التي رأيناها في (تتر) الرواية. ثم ربط بين العلامات البصرية والكتابية.
الرابط (6) لا يحقق قيمة معلوماتية فحسب. بل يتم توظيفه في النص المكتوب ليصبح جزءًا منه. إذ يجيء على لسان ابن ميشع في سياق تحريض رجاله على قتال الغزاة وطلب الشهادة. وهو اقتباس متجانس وموفق. ففي معركة مؤته كان جيش المسلمين قليل العدد. فاستهانت بهم جحافل الروم والغساسنة. لهذا فعندما بادر المسلمون بالهجوم بوغت الأعداء وتفرقوا. تلك هي الرواية التاريخية لغزوة مؤتة وهي تتناص بوضوح مع خطة بن ميشع لردع الغزاة. هكذا ينقلنا التناص إلى زمنين وحدثين مختلفين. ألا يعتبر هذا نوعا من التفاعل؟
تكتفي العتبة النصية في رواية (صقيع) [14] بدلالات مكثفة عن الظلام والبرد وذئب يعوي في وجه القمر وكأننا أمام واحد من أفلام الرعب الهوليودية. إنها (ثيمة) شهيرة كنا نجدها على أغلفة سلسلة روايات الناشئين (الرجل الذئب) وهي جذابة حتى أنها أصبحت موضوعا لسلسة أفلام أمريكية (Werewolf) ولو كانت الرواية موجهة للناشئين فلا بأس. لكننا بمجرد أن نتجاوز عتبات النص إلى متنه الكتابي نشعر بخفوت الجاذبية. إذ تتمركز “صقيع” حول شخصية واحدة تعاني مأزقها الداخلي فيما يشبه الإحساس العميق بالعزلة والتيه المفضي إلى ارتباك الحواس واضطراب المشاعر. هذه انفعالات تنجح الكتابة في التعبير عنها بشكل أدق على نحو ما أشرنا سابقًا في نصوص (غرف ومرايا) فيما تنجح النصوص المحتشدة بالحركة والمغامرات المباشرة في الإفادة من التقنيات الرقمية. فليس للحاسوب واقع داخلي لا مشاعر ولا أحلام ولا غرائز.
إن الانطباع الأولى عن عتبة (صقيع) مفارق لمتنة على نحو كبير. فالواقع إننا أمام نص ينشغل بالمشاعر الداخلية لبطله. ويستسلم لخيال لغوي من صور وتشبيهات ومجازات. لكنها قادرة على كشف الواقع النفسي لبطلها: “نظرت إلى كأس العرق الأخير، ثمالته تتراقص فيها النجوم كما تتراقص في رأسي الذي أمسى ثقيلاً كجبل طارق، يا للحسرة انتهت الزجاجة ولم أثمل بعد.. كنت دائمًا أحب السكر وحدي في المطر. تتكثف الأشياء كما الغيوم. تنداح خيالات عذبة وجنيات تخرج من قلب البحر تلعب بالمتوحد مع ذاته كما تشاء ” (15)
في الشاهد السابق علامتان مهمتان كونهما مترابطتين لتوسيع الدلالة. العلامة الأولى زمنية (كأس العرق الأخير) بما يعني أن ثمة (مسكوت عنه) سابق على زمن السرد. وهذه العلامة تترابط مع العلامة الثانية عندما تعلن الشخصية عن نفسها (المتوحد مع ذاته) وبها ينتقل مستوى السرد من الوصف الخارجي إلى الوصف الداخلي الذي يناسب شخصًا متوحدًا مع ذاته ومن ثم ينتقل السرد إلى ضمير المتكلم ليأخذ النص المكتوب طابعًا مونولجيًا خالصًا ومنحصرًا في منطقة لاواعية من النفس. تتأرجح بين الهلاوس البصرية والسمعية. ربما بتأثير السكْر، وربما فعل السكر نفسه كان نتيجة للمسكوت عنه بين ثنايا النص. كما يمكن أن يكون الإخفاق في التواصل ليس مع زوجته فحسب، بل مع كل شيء خارج قوقعته الذاتية. ليبدو شخصًا يقيم في رأسه منفصلاً عن العالم خارجه.
إن هذا التفسير الأخير لحالة الشخصية، يأتي في نهاية النص كمفارقة تستوقف القارئ لمراجعة النص. حيث نكتشف عندما تفتح زوجته نافذة الغرفة أن الزمن الخارجي صيفي حار. على عكس زمنه الداخلي وما فيه من صقيع.. تدفعنا لإعادة القراءة من جديد لنقف على مزيد من المعاني التي تفسر طبيعة المفارقة: هل كان الأمر كله مجرد حلم؟ إنه أحد الاحتمالات المطروحة. فالنهايات التي تقوم على المفارقة أحد التقنيات التي يجيدها محمد سناجلة، وتدفعنا لمراجعة تصوراتنا عن النص. ففي (ظلال العاشق) يحيلنا الرابط الأخير إلى لقطة لصبي أنهي لعبته للتو على شاشة الحاسوب، لنكتشف أنها اللعبة الاستراتيجية التي طالعتنا في (التتر) وتجاوزناها باستخفاف. عندئذ ينبغي على القارئ أن يراجع وظيفتها في كل مراحل الرواية ليكتشف أن المؤلف كان يلعب معه وبه طوال الوقت. إن اللعب أحد قيم التفاعلية في روايات سناجلة الرقمية، لهذا فهي في الحقيقة ليست نهاية للرواية، بقدر ما هي نهاية اللعبة. حيث تتركك الرواية فجأة في لحظة فارقة وحاشدة بالتوقعات.
لقد أمكننا قراءة النص في (صقيع) بالكثير من تفاصيله من خلال النص المكتوب على الرغم من أن التصوير الحركي والصوتي كان يتخلله طوال الوقت ولكنها لا تمثل إضافة حقيقة للنص الكتابي بقدر ما هي معادلات صوتية وبصرية له. فالرابط (قمت أجر نفسي) يمكن أن يعبر عن معنى مجازي (ثقل النفس) لكن المعادل البصري له لم يكن سوى رسم متحرك لرجل يمشي. وكذلك الرابط (الجدار يترنح تحت يدي) يتحول بصريًا إلى جدار يتحرك وهكذا.. إن المعادل البصري أو الصوتي لكثير من المفردات يفقدها فرصة التأويل وتعدد الدلالة.
***
حقا.. تستطيع الرواية من خلال الحاسوب أن تكتسب قيمًا جمالية مضافة إلى قيمها الأدبية، غير أن الرحلة مازالت في بدايتها، وهي محفوفة بالمخاطر، نظرًا للطبيعة الآلية للحاسوب، وقدرتها على استيعاب الروح الإنسانية، بكل مشاعرها وطرائق تعبيرها. ففي نهاية الأمر لا يتعامل القارئ مع النص الإليكتروني بوصفه متتاليات رقمية أو خوارزميات بل بوصفه علامات تمنحه حق الحضور فيه والتفاعل العميق بالداخل الإنساني، وليس مجرد التفاعل بين مجموعة من البرامج والوسائط الإليكترونية. غير أن النماذج التي توفرت لنا حتى الآن، لم تبعد كثيرًا، عن طرائق التفكير والتعبير الأدبي، لهذا فالمسافة بين النص الرقمي والنص الورقي ليست شاسعة من وجهة نظري، على الأقل فيما يتعلق بفلسفة الجمال. إنها نفس المسافة التي يحسها مشاهد السينما، بين الفيلم الخام والديجتال الذي ضاعف من إمكانات التعبير البصري. لكن لا أحد يعتبره فنًا جديدًا ومستقلاً عن سابقه. فحتى ألان نحن نسعى على أقصى تقدير إلى الموائمة أو الدمج بينهما.
[1]1 مالكوم برادبر ي( تقديم ) : الرواية اليوم ـ مكتبة الأسرة ـالهيئة المصرية العامة للكتاب ـ ترجمه أحمد عمر شاهين ـ القاهرة ـ 2005.
[2] فاطمة البريكي موقع إليكتروني – https://middle-east-online.com
[3] فاطمة البريكي: نفسه
[4] محمد سناجلة : رواية الواقعية الرقمية – موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب http://www.arab-ewriters.com/booksFiles/5.pdf
ا
[5]سعيد يقطين: الرواية العربية من التراث إلى العصر (من أجل رواية عربية تفاعلية) – علامات- العدد20 – المغرب
[6]نفسه
[7]لبيبة خمار: غرف ومرايا- قصص رقمية – موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
[8]محمد أشويكة: محطات – قصص رقمية- موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
[9]إشارة إلى كتاب (عملية تذويب العالم) للباحث -صدر عن دار روافد للنشر والتوزيع – القاهرة- 2015م
[10]زينب خليلي: المكونات البنائية في الرواية التفاعلية، رواية ( صقيع ) لمحمد سناجلة نموذجًا- رسالة ماجستير في الآداب واللغة العربية – جامعة محمد خصيرةبسكرةـ الجزائر – 2017م
[11]نفسه
[12]عبد النبي اصطيف – التناص – مجلة راية مؤتة – المجلد الثاني، العدد الثاني – كانون أول 1993م
[13]لبيبة خمار: عرف ومرايا، سابق
[14]محمد سناجلة: صقيع – رواية رقمية- موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
15 – محمد سناجلة، صقيع، السابق.