يستطيع الرصاص ودانات المدافع والقنابل قتل الأبرياء، وتمزيق أجساد الناس إلى شظايا متناثرة، تستطيع القوة الغاشمة الظالمة أن تبيد قرى بل مدنًا كاملة، وتجتثها من على الخريطة.
نعم، يستطيع الغدر والكبر والكفر فعل كل ذلك وأكثر، لكن كل ما سبق، وإن اجتمعوا، لا يقدرون على قصف قلم رصاص طالما أن يدًا تمسكة مازالت تنبض بحياة ، لا تستطيع كل قوى الشر العالمية أن تجهض فكرة ولدت في عقل نوى على الإبداع، من تحت حطام البيوت العتيقة، من بين زحام الجثث الطاهرة، من تحت الحصار، من رحم الإبادة المشوه، قررت عصفورة صغيرة رقيقة اسمها “سالي الشبراوي” أن تلتقط قلمها من بين شظايا الأجساد ، وأوراق وجدتها ربما في حقيبة طفل صغير كان عائدًا من مدرسته حينما قصفته طائرة حربية بقنبلة نجسة خصصت للمباني والحصون.
قررت عصفورتنا أن تبدع، فهل تستطيع قنابل العالم أن توقفها ؟
هل يستطيع جبابرة العالم منعها من الإبداع؟
إنني سائلكم ولا أريد إجابة، فهو سؤال تقريري ، إجابته معلومة مقدمًا بلا ، لا يستطيع أحد، أيًا كان، وقف فيض الإبداع الذي هبط من السماء الملبدة بالغيوم على رأس عصفورتنا الجميلة “سالي الشبراوي”. إنها منحة إلهية، إنها إرادة الله، تهبط لتتحد مع إرادة الكاتب؛ فيكون الإبداع.
- كتاب ستانلي برايس (غداءي مع مارلين وقصص أخرى ): لقاءات فريدة ومغامرات غير متوقعة.
- صدرت عن وكالة كنزي للنشر: رواية “دنيا الغواني” للكاتب عمرو أنور.. سرد واقعي لمعاناة المهمشين.
كتبت “سالي” ولسان حالها يقول : أنا أكتب عن الحرب، لذلك لم تجد مفرًا من اختيار لفظ “الحرب” عنوانًا لباكورة أعمالها الأدبية، في حالة من حالات الصدق بل والتماهي مع الواقع المر ، ترصد “سالي” الخذلان والهوان من بعض خونة الداخل، ومنبطحي الخارج، وبينما أنا أقرأ الرواية، شعرت أني في حالة حرب ، وأني معرض للتهجير القسري من مكاني في أي وقت. إن تسارع الأحداث في الرواية بقصد من الكاتبة الواعدة، أو حتى دون قصد، إنما هو تجسيد طبيعي جدًا لحالة الحرب الضارية التي يحياها أهلنا في غزة الآن الآن وأنت تقرأ تلك الكلمات.
إن الكاتبة تسرد ربما ما حدث معها هي شخصيًا، أو مع أناس كانت تعرفهم جيدًا، والتحمت بهم، وعايشتهم ، الجميع مفقود أو معرض للفقد، لا يوجد مكان محدد للرواية ، فكل أرض غزة هي مكان محتمل للرواية تحت ظل حالة الضغط والتهجير الذي يمارسها العدو الجبان، فها هو العدو يوجه الناس لمكان ، ويكلف نفسه طائرات ترمي على الناس مطبوعات، ثم سرعان ما يحنث، ويقصف، ويبيد ذلك المكان، إنه الجنون بعينه!
“سيلا” بطلة الرواية ، أو “سالي” كاتبة الرواية تقول لكم : لقد تعبت وأريد فقط الإحساس بالأمان ، أصبح حق الإنسان في الهدوء والسلام مطلبًا ملحًا ، وللأسف تعجز ملايننا عن توفيره لأهل غزة، إن العلاقات بين الأشخاص في الرواية تشوهت كما تشوهت وجوه الأطفال. تحطم الحب كما تتحطم جدران المستشفيات. إن أسلوب الكاتبة ينبئ بميلاد أديبة من العيار الثقيل – لعلي استخدم لغة الحرب دون قصد – نعم، إن مفرداتها غنية وخلابة، وتركيباتها اللغوية فريدة من نوعها، وثرية بالمعاني، أدعو الله أن ينجيك، ويحفظك لنا أيتها المتألقة الواعدة ، إنها دعوة مني أخيرة للعرب خاصة وللمسلمين في كل مكان “انقذوا غزة” ، “انقذوا سالي” أو “سيلا” .
علي محمد علي