You Create, We Appreciate

نعيمة كراس تكتبـــ: حرّ في أرض العبودية (قصة قصيرة).

نعيمة كراس تكتبـــ: حرّ في أرض العبودية (قصة قصيرة).
كولاج للشاعر عادل عبد الحميد
كولاج للشاعر عادل عبد الحميد

لأنه يؤمن بأن كل بشري على الأرض ولد حرا كان سببا كافيا لإعدامه أمام الملأ ، كل ما في الأمر أنه مختلف عن البقية كيف لا وهو في أرض العبودية. 

اشتهرت تلك الأرض بالعبودية المطلقة وأن كل نزيل فيها يعد عبدا بما في ذلك شعبها  ، طبقت عليهم قوانين صارمة تجبر كل مواطن فيها على تقبل الذل وتخليهم عن الحرية. 

والشرط الأساسي الذي كبل حريتهم هو عدم استخدام الملكة المقدسة ألا وهي العقل من يفكر يعاقب” كان هذا أقسى قانون مطبق أما بالنسبة للملك وحاشيته فقد حجزوا العلم لأنفسهم والمكتبة الوحيدة في البلاد موجودة في القصر. 

يحكى أن شابا يدعى يحيى ولد وترعرع خارج هذه البلاد ، تعلم القراءة والكتابة قبل انتقال أهله الى هذه الأرض الغريبة التي ما إن دخلها صار هو الآخر عبدا ومع ذلك إلا أنه في قرارة نفسه رفض أن تطبق هذه القوانين عليه بالرغم من توفر الطعام والملبس وحتى المسكن. 

في كل يوم كان يجلس على حصيرته المصنوعة من الصوف وهو يقوم بنقش كتابة على لوح خشبي بما أن الأوراق ممنوعة في بلدهم. 

شغف  فؤاده بالتعبير عن نفسه من خلال الكتابة ما جعله يكتب أينما هب ودب سرا عن جميع الناس. 

في إحدى المرات صادف أن ألقى الفرسان القبض عليه وهو يقوم بنقش كتابة على شجرة الصنوبر ثم أخذوه أمام الملك وهو مكبل اليدين. 

جثى على ركبتيه بالقوة وهو يلقي نظره في أنحاء القصر فجأة! رسخ بصره على شيء أثار اهتمامه. 

نطق الملك قائلا: يبدو أن هذا الكتاب أثار فضولك. 

فرد عليه يحيى بكل وقار: كيف لا وأنت تحجز العلم لنفسك وتمنعه عنا! 

ساد الصمت من كلا الطرفين إلى أن نهض الملك من مكانه وقال: لما قد يحتاج الشعب للعلم ونحن نلبي له احتياجاته من متطلبات العيش؟ 

فقاطعه يحيى برد صادم: ولما قد يقبل الشعب العيش كالبهائم عملهم الوحيد هو الطاعة ! 

غضب الملك وقام برشق يحيى بكأس مملوءة بالماء وقال بنبرة غليظة: يا وغد!! أنت عاقل أكثر من المطلوب ! 

ثم أشار إلى الحراس مستأنفا كلامه: خذوه إلى الزنزانة حتى أصدر حكما في حقه وأنزلوا عليه أشد العقاب إلى أن يعترف بخطئه! 

مرت ساعات من التعذيب المستمر إلى أن صار جسد يحيى داميا بالكامل مع ذلك إلا أنه لم يتراجع عن كلمته. 

دخل أحد الفرسان إليه قائلا: لقد أصدر الحكم بخصوصك. 

رفع يحيى رأسه ما إن سمع الفارس ، ثم استأنف الفارس كلامه وقال: سيتم إعدامك أمام الشعب ظهر هذا اليوم. 

أصدر يحيى ضحكة مكتومة وقال: جرمي الوحيد أني تصرفت على طبيعتي كإنسان …..هه يا لهذا البلد الغريب! يجبرونك أن تصير ما لم تخلق من أجله ومن ثم يوقعون عليك اللوم والعقاب لأنك لم تنفذ مرادهم! على من يقع اللوم يا ترى؟ على من يسن القانون أم على من لم يحترمه؟ 

فجأة انفجر ضاحكا بهستيرية ما أثار التعجب في نفس الفارس الذي ما إن رآه بتلك الحالة حتى خرج من دون أن ينبس بكلمة فملامحه  المذهولة شرحت كل شيء بالفعل! 

جاء الظهر في رمشة العين واحتشد كل الناس في ساحة الإعدام منتظرين اللحظة الحاسمة متهامسين فيما بينهم. 

  • من هذا الأحمق الذي تحدى قوانين المملكة؟! 
  • يقال أنه ما زال في ريعان الشباب. 
  • لما قد يفعل هذا الفعل الطائش بما أنه يعيش حياة رغدة! 
  • انظروا لقد جاءوا به! 
  • اصمتوا لقد جاء الملك! 

جلس الملك على الكرسي مخاطبا العامة: أهلا يا شعبي المطيع جئت اليوم لأشهد على إعدام هذا الصعلوك الذي خالف أهم قانون في البلد. 

وقبل ان يستأنف كلامه التفت إلى يحيى الموضوع على المقصلة  وقال: من المؤسف أن يمثل اسمك الحياة بالرغم من أنك ستلقى ميتة مأساوية. 

ابتسم يحيى وقال: أحق ما تقول؟! لم أكن أعلم أن العيش كالبغل يعد حياة! 

تغيرت ملامحه بالكامل وقال: إن كان هذا صحيحا فالموت أهون علي من هذه الحياة التافهة! 

التفت للشعب وصدح عاليا: هل أنتم راضون حقا! تأكلون وتشربون وتنجبون كأي حيوان لم يرزق بعقل؟!! هل ترضون بهذا الذل ! أتعلمون ماذا! أنا خجل من كوني عشت بينكم!! ألم تخطر لكم يوما فكرة التصرف كبشر حقيقيين؟! هل أنتم حيوانات أم بشر أجيبوني؟ 

قاطعته صرخة الملك: أصمت! هل تريد أن تحرضهم ضدي؟! يا لك من وغد! 

ثم أشار للجلاد بتنفيذ الحكم. 

ابتسم يحيى وقال: آمل أن يكون كلامي هذا زرع فيكم ولو ذرة إنسانية. 

سقطت الشفرة الحادة على رقبته معلنة أخذ روحه أمام أنظار الشعب الذي ما إن سمع كلماته الأخيرة حتى ثار كالإعصار المدوي! 

  • ما هذا المنطق! 
  • أنتم أوغاد! 
  • أتقتلون رجلا طلب أن يكون إنسان؟! 
  • اهجموا عليهم! 

هجم الشعب على القصر وأثاروا  الخراب فيه وأسروا جميع المسؤولين الحكوميين بما فيهم الملك الذي حاول الفرار من بطشهم ثم أخذوه هو الآخر للمقصلة  ، صرخ وصرخ لكن لم ينفعه الصراخ وطبق   عليه مبدأكما تدين تدان”. 

كانت فكرة إعدام يحيى أمام الملأ فكرة الملك حتى يرهب الشعب ويخافوه لكنه لم يحسب حساب أن هذا الفعل من الممكن أن يحرضهم على الانقلاب عليه . 

في النهاية أخذ الظالم جزاءه وماتت العبودية مع موته واستولى الشعب على مكتبة المملكة وصار كل محروم من العلم غنيا بفضل الشعلة الصغيرة التي أنارها يحيى قبل إعدامه وأشرق عصر جديد بعيدا عن عصر الظلم الذي سبق بما في ذلك تميزه بحضارة ورقي شعبه. 

Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp