شعر ماكس بيد توضع على كتفه برفق فالتفت ينظر لصاحبتها وابتسم فى هدوء وهو ينزع عن أذنيه السماعة الكبيرة المتصلة بالكمبيوتر بينما شاشة كبيرة الحجم ارتسم عليها خريطة لأمريكا الشمالية بالكامل مستقرة أمامه وبعض النقاط الصفراء تضىء فوق سطحها فى دلالة على أن هذه النقاط هى عناوين الأرقام المتصلة بهيئة الطوارىء الشهيرة 911فى هذا التوقيت .
– كيف كانت ورديتك اليوم؟
قالتها زميلته جولى وهى تبتسم بوجهها الهادىء الذى يبعث الراحة فى نفس كل من يراه فقال وهو ينهض من فوق كرسيه :
– المعتاد..بعض مشاكل الزوجات مع أزواجهن واعتداء من أحد أفراد العصابات على بيت أحد الضحايا الذين يفرض عليهم إتاوة شهرية واتصال من طفلة علقت قطتها فوق أحد الأشجار فى حديقة منزلها.
تبادلا الأماكن وجلست جولى بينما تمطع ماكس ليمنح جسده المزيد من المطاطية وهى تقول متناولة السماعة الكبيرة:
– تمن لى التوفيق ..فالوردية الليلة طالما كانت مملة فى الأيام السابقة.
لوح لها بكفه وهو ينصرف فوضعت السماعة فوق رأسها لتغطى أذنيها بالكامل وهى تتطلع الى الشاشة ،ونظرت الى زملائها فى القاعة الواسعة الجالسين أمام شاشات أجهزتهم فى انتباه وتركيز وأغلبهم يرد على اتصالات المستغيثين.
تراجعت بظهرها وخلعت حذائها ووضعته بجوار الكرسى وتركت قدميها بلا حذاء.
هذا يجعلها تحتمل ساعات العمل بارتياح بينما الحذاء يشعرها أنه يجثم على روحها ولا تشعر بالحرية والتحرر سوى بعد خلعه .
فالحذاء وظيفته أن يسير بنا بأمان فى الطرقات وليس من وظائفه أن نجلس ونحن نرتديه ساعات طويلة.
ظهر على الشاشة مستطيل حمل بداخله رقماً طويلاً فأسرعت تضغط على خانة قبول الاتصال وهى تقول بشكل آلى:
– 911 ..كيف أستطيع خدمتك؟.
ثوانٍ من الصمت جاوبتها فظنت أن هناك من يعبث ..لكن صوت طفلة صغيرة بدا عليه الذعر والتوتر جائها عبر الأثير:
– لقد اقتحم البيت.
انتبهت لعبارتها وعقلها يرسم صورة اقتحام مجهول لبيت الطفلة فقالت:
– ما اسمك يا صغيرة ومن الذى اقتحم البيت؟.
سمعت صوت أنفاسها المتلاحقة ثم صوتها المرتجف الهامس وكأنها تخشى أن يسمعها المقتحم:
– أنا مارى..أرجوك أسرعى سيقتل أمى ثم سيقتلنى .
انفصلت جولى عن كل ما يحيط بها تماماً وهى تحاول أن تستخلص أية معلومات من الصغيرة فقالت:
– مارى ..أريد منك أن تختبئى فى مكان آمن الآن وتحتفظى بالهاتف معك ولا تغلقى الخط أبداً..هل تستطيعين تنفيذ ذلك.
سمعت صوت خبطات قوية وكأن أحدهم يحاول تهشيم باب خشبى قوى وصراخ مارى المذعور وصوت غليظ يصيح:
– افتحى أيتها الشيطانة.
قالت جولى بصوت مرتفع جعل المقربين منها ينتبهون لها بينما هى انفصلت تماماً عن المحيط الاجتماعى حولها:
– نفذى ما قلته لك يا مارى الآن بسرعة.
فركت أصابعها دليلاً على التوتر .
هى تستمع الآن لمحاولة قتل طفلة صغيرة ويجب أن تتمالك أعصابها حتى تستطيع أن توجهها لمكان آمن بعيداً عن يد القاتل حتى تصل اليها الشرطة.
وكأنما الكلمة دوت فى عقلها لتعيدها الى أرض الواقع نظرت عن يمينها وقالت لزميل لها بصوت مرتفع:
– محاولة اقتحام وشروع فى قتل طفلة صغيرة وأمها..قم بإبلاغ الشرطة وسأرسل لك الرقم والعنوان.
وبضغطة زر كان الرقم يضىء فوق شاشته بينما حدد برنامج التحديد الجغرافى الموقع بمنتهى الدقة فأسرع زميلها يبلغ الشرطة بالواقعة بينما أرهفت هى سمعها فى محاولة منها لمعرفة ما يحدث هناك.
– مارى ..هل تسمعيننى؟.
جائها صوت الطفلة مصحوباً ببكاء:
– أنا فى خزانة الملابس.
عادت تغوص بكل جوارحها فى الاتصال وقالت:
– خزائن الملابس هى أول مكان يبحث فيه القتلة المجانين عن ضحاياهم يا مارى ..هل تستطيعى مغادرة مكانك والاختباء فى مكان آخر؟.
صوت طلقة نارية قوية صحبتها صرخة عاتية من مارى التى قالت بسرعة:
– لقد فجر باب الغرفة بالبندقية.
قالت جولى وقد بلغ بها الانفعال الذروة:
– من هو يا مارى ..من يكون؟.
حاولت معرفة شخصيته فقد أيقنت أن فرص النجاة باتت معدومة لهذه الطفلة ،وفرت دمعة عجز وقهر من عينيها لعدم تمكنها من التواجد فى المكان لإنقاذها.
لكن لم يصلها الجواب أبداً.
كل ما سمعته صوت الطلقة التى صمت أذنيها والصرخة الأخيرة المؤلمة التى صدرت من حنجرة مارى .
وانغلق الخط.
انغلق ليغلق وعى جولى معه صاحباً الظلام.
****************
كما حل الظلام فجأة عاد النور فجأة لتجد جولى نفسها ممدة فوق فراش أبيض تحيط بها الأجهزة الطبية التى تسجل معدلاتها الحيوية بدقة وتنقل لطبيب شاب النتائج بينما مساعدته تدون بعض ملاحظاته فى ورقة .
– ها قد استعدت وعيك.
نظرت له وشعور غريب بالتشوش يجعلها تظن أن الحياة حولها صارت غير واضحة جيداً كما تعودت عليها وهى تقول:
– ماذا حدث؟..أين أنا؟.
جاءها صوت احد زميلاتها من جوار الفراش:
– لقد فقدت وعيك بسبب الاتصال وارتفع ضغط دمك فجأة فنقلناك الى المستشفى .
ثم ربتت على شعرها الأشقر الذهبى وقالت بحنان:
– ارتاحى يا جولى لقد انتهى كل شىء.
تذكرت مارى فحاولت النهوض لكن الطبيب أشار لها بالمكوث حيت هى نائمة:
– أنصحك بالراحة التامة ..لا تحاولى الجلوس الآن.
قبضت على كف زميلتها بقوة واهنة وقالت:
– هل توصلت الشرطة الى القاتل؟.
طمأنتها قائلة:
– دائماً ما يفعلون..فقد ارتاحى أنت.
أغمضت عينيها بينما عقلها يستعيد كل كلمة نطقت بها مارى قبل أن يفجر القاتل رصاصته فى جسدها.
يجب أن تتمالك أعصابها.
لذا تركت نفسها للنوم لعلها تسيطر على الصداع الرهيب الذى يفتك بعقلها الآن.
********************
حدقت جولى فى شاشتها بلا تعبير.
ثلاثة أيام مضت على الاتصال المشئوم ولم تستطع أن تخرج من حالة الصدمة العصبية التى انتابتها عقب انتهاءه بعد.
منذ أن عملت فى هذه الوظيفة لم تتلق اتصال كهذا.
ربما لأن الضحية طفلة بريئة لا ذنب لها.
لقد عاشت لحظات الرعب والهول التى عاشتها مارى وكأن روحهما قهرا المسافات التى بينهما والتقتا فى موقع الحادث.
أخرجها من شرودها ظهور رقم طويل على الشاشة فردت بآلية:
– 911..كيف أستطيع تقديم العون لك.
لحظات من الصمت مصحوبة بأنفاس جعلتها تزداد انتباهاً حتى جائها صوت:
– إنه أنا!.
ارتجت أعماقها وكأن قنبلة انفجرت داخلها فمزقتها الى أشلاء واتسعت عينيها بشدة وانحبس النفس فى صدرها وهى لا تصدق أذنيها.
قالت بلا وعى:
– مارى!؟.
نظرت للرقم على الشاشة لتتأكد أنه نفس الرقم التى اتصلت بها منه مسبقاً.
هى تذكره بصعوبة لكنه بدا لها ذات الرقم.
– إنه يطاردنى ..لا أجد مكاناً آمناً للاختباء منه فيه.
الدم يغشى عينيها فعلمت أن ضغط دمها قد ارتفع فجأة وهى على وشك الدخول فى غيبوبة لكنها تماسكت وحاولت السيطرة على أعصابها بينما كل شىء يدور حولها بالفعل وكأنها داخل الأرجوحة الدوارة بالملاهى:
– من الذى يطاردك يا مارى وأين أنت الآن؟.
سمعت صوتها المتوتر المذعور:
– لست أدرى أين أنا ..الظلام يحيط بى من كل جانب..فقط أرى ضوءً خافتاً يأتى من بعيد ..وكلما ركضت نحوه لا أصل له.
دارت الأفكار داخل عقل جولى بسرعة الضوء.
لقد تجاهلت السؤال عن الفتاة والواقعة برمتها فى محاولة منها للعودة الى طبيعتها والتخلص من تلك الصدمة بسرعة..لذا لم تعرف ما حدث للفتاة ..فهل نجت من الموت وما زال القاتل يطاردها حتى الآن؟.
مستحيل ..لقد مرت ثلاثة أيام فكيف ذلك؟.
– ساعدينى ..أريد مامى ..يجب أن تنقذينى منه قبل أن يقتلنى.
لهجتها المذعورة الباكية رجت كيان جولى تماماً فنظرت للشاشة وهى تحاول تحديد مكان الاتصال :
– اصمدى قليلاً يا مارى ..سأعرف أين أنت وأرسل النجدة فوراً.
جائها صوت الفتاة بسرعة وذعر أكثر:
– لايوجد وقت ..إنه قادم ..قادم.
وسمعت صوت طلقات نارية شعرت بها تنسف خلايا مخها هى لينغلق الخط تماماً.
نظرت للشاشة لترى العنوان لكن..
محدد الأماكن الجغرافى لم يعطها أية نتيجة.
كانت الخريطة أمامها كاملة مع عبارة ظهرت داخل مستطيل فسفورى.
( لم يستطع البرنامج تحديد العنوان)
نزعت السماعة عن رأسها ونظرت لزميلها الجالس على المكتب الصغير المجاور:
– فيليب.
نظر لها فأكملت:
– هل تذكرالعنوان الذى أرسلته لك منذ ثلاثة أيام الخاص بالاتصال المشئوم .
قال فيليب وهو يضغط أزرار جهازه:
– مخزن على الجهاز بالتأكيد.
انتظرت ثوان فى توتر فقال وهو يضغط زر الإدخال:
– نقلته لشاشتك.
لم تشكره ونظرت بسرعة لشاشتها وعينيها تلتهم العنوان التهاماً.
ثم طلبت رقم القسم وانتظرت قليلاً حتى جائها صوت سيدة :
– قسم الشرطة .
قالت بسرعة:
– 911..هناك استفسار .
جاوبتها:
– بشأن ماذا؟.
قالت جولى:
– منذ ثلاثة أيام وجهنا لكم حالة طوارىء خاصة باقتحام مجهول منزل على عنوان (….) قام أيضاً بقتل طفلة تدعى مارى..هل أمسكتم بالقاتل؟.
قالت السيدة بلهجة رسمية:
– ليس من حقكم الاستفسار عن هذا. .فدوركم ينتهى فور تلقينا تقريراً بالحالة لنتعامل معها نحن بطريقتنا.
قالت جولى مسيطرة على انفعالاتها كى لا تصرخ فى أذن محدثتها:
– أؤكد لك يا سيدتى أن سؤالى يمتد ليشمل صميم عملى ، فقد تلقيت اتصالاً الآن من نفس الفتاة وهى تحاول الهروب من ذات القاتل المجهول.
قالت السيدة :
– سيدتى هل تتناولين الكحوليات بكثرة؟.
علا صوتها بحدة:
– أنا لا أتناول الكحول إطلاقاً.
قالت السيدة بهدوء:
– حسناً ربما ليست نفس الواقعة واختلط عليك الأمر ..اعطنى العنوان وسأرسل دورية سريعة اليه.
قالت جولى وهى تجز على أسنانها:
– لم أتمكن من تحديد العنوان ..لكن تقريباً سجلت الشاشة نفس رقم الهاتف.
لم تتلق الجواب بسرعة هذه المرة فارتفع ضغط دمها أكثر ثم أتاها صوت السيدة:
– نحن نحتفظ بالعنوان من المرة السابقة ..سأرسل دورية ونرى ماذا حدث.
وانغلق الخط .
وانغلقت كل الدوائر والخطوط فى عقل جولى معه.
************************
وقفت جولى على الرصيف المقابل تدقق النظرفى البيت المكون من طابقين أمامها .
توقعت أن تجد النطاق الأصفر لرجال الشرطة والذى معناه أن المكان ممنوعاً على العامة لأنه موقع أحداث جريمة .
لكن وجدت الحى هادئاً والعصافير تمارس حياتها بطبيعية فوق الأشجار بينما الأطفال تلهو فى الحدائق المجاورة للبيت بسعادة.
تقدمت وعبرت الطريق ووقفت أمام باب البيت وطرقت الباب بقوة،وبعد دقيقة تقريباً انفتح الباب لتظهر خلفه سيدة فى الأربعين من العمر نظرت لجولى فى تساؤل فقالت جولى متلعثمة:
– صباح الخير يا سيدتى .
هزت المرأة رأسها وعينيها تحمل ذات النظرة منتظرة أن تسمع من جولى سبب زيارتها فقال جولى:
– أنا جولى ..موظفة لدى هيئة الطوارىء العامة 911.
قالت المرأة :
– هل هناك مشكلة تخصنا؟.
هزت جولى رأسها نفياً وقالت:
– كلا لا يوجد مشكلة ..فقط هناك استفسار خاص .
رفعت المرأة حاجبها الأيمن وكررت:
– خاص!؟.
تنحنحت جولى وقالت:
– استفسار بشأن اتصال تلقيته منذ أيام أفاد بوقوع جريمتى اقتحام وقتل طفلة فى هذا العنوان.
ضحكت المرأة وقالت:
– أأنت متأكدة؟..لم يحدث هنا أية جرائم اقتحام أو قتل ..بالتأكيد أخطأت فى العنوان .
صدم قولها جولى فقالت:
– اليس العنوان ( …..).
اومأت المرأة برأسها مؤيدة فحارت جولى جواباً فقالت المرأة وهى تفسح الطريق لجولى قائلة:
– لقد مرت دورية شرطة أمس وسألتنى عن ذات الموضوع ..لنتحدث فى الداخل أفضل ..تفضلى.
ترددت جولى قليلاً ولم تخبرها أنها هى من أبلغت الشرطة وأنها السبب فى إرسال الدورية لكن وجه المرأة الهادىء طمأنها فدخلت لتقودها الى حجرة الجلوس وعينا جولى تتفحص المكان بجنون علها تلتقط أى دليل على محاولة الاقتحام ..لكن البيت منمق ومرتب جداً وفى غاية النظافة ورائحته جميلة .
لايوجد ما يريب.
جلست جولى على الأريكة بينما جلست المرأة على الكرسى أمامها فقالت جولى:
– ربما أخطأ برنامج التحديد الجغرافى .
قالت المرأة:
– لم أكن أعلم أن الموظفين فى هيئة الطوارىء العامة من اختصاصهم البحث الميدانى فى مواقع الجرائم.
قالت جولى وهى تعتدل فى جلستها :
– هذه الواقعة تختلف فقد تركت بداخلى تأثيراً صادماً.
قالت المرأة :
– يبدو أنها حادثة قوية.
قالت جولى :
– فتاة صغيرة أظنها قتلت على يد مقتحم مجهول.
تجعدت ملامح المرأة وقالت:
– المقتحمون المجانين حولنا فى كل مكان ليسلبونا أعز الأحباب.
نهضت واقفة وقالت :
– تعالى ..سأريك شيئاً.
نهضت جولى فقادتها المرأة لحجرة واسعة يتوسطها بيانو كبير وأشارت الى صورة كبيرة معلقة على الحائط وقالت:
– هذه أختى التوأم ..قتلت على يد مقتحم مجهول منذ ثلاثين عاماً فى هذا المنزل بعد أن قتل أمى أيضاً..وكنت وقتها ابنة عشرة أعوام.
تأملت جولى الصورة التى حوت فتاتين طبق الأصل من بعضهما البعض وقالت:
– وأين كنت فى تلك الليلة.
قالت المرأة :
– كنت أبيت عند جدتى ..ولو كنت هنا لقتلنى بدورى.
وزفرت بحرارة وأكملت:
– لقد حرمنى من أمى وأختى وتركنى أعانى عذاب فقدهما طيلة حياتى.
نظرت لها جولى وشعرت أن قلبها ينفطر لمصابها وقالت:
– هل أمسكوا بالقاتل؟.
كافحت المرأة حزنها وردت:
– إنه داخل مستشفى الأمراض العقلية من وقتها.
قالت جولى :
– أعتذر..لقد ذكرتك بذكرى حزينة .
قالت المرأة وهى تقودها للخارج:
– لم يحدث شىء..لقد تعودت التأقلم مع أحزانى.
مدت جولى يدها مصافحة وهى تقول:
– تقبلى اعتذاراتى مرة أخرى يا…
قالت المرأة بسرعة:
– ماريانا.
ابتسمت جولى وقالت:
– حتى اسمك مشابه لاسم صاحبة الواقعة التى كلمتها منذ أيام..اسمها مارى.
تخشب وجه ماريانا وقالت:
– غريب هذا..مارى على اسم اختى القتيلة .
لم تتوقع جولى الرد وصدمها بشدة ..فصافحتها دون كلمة إضافية وغادرت المكان.
غادرت وفى عقلها يدور ألف سؤال..
وسؤال.
*****************
بصمات الأرق والتعب واضحة على وجه جولى وهى تتسلم العمل من زميلها دون أن تتبادل معه عبارات المرح كعادتها.
جلست على كرسيها ولم تخلع حذائها كما تعودت ..فقط وضعت رقم الهاتف داخل دائرة البحث للحصول على المعلومات الخاصة به.
الرقم الذى اتصلت منه مارى.
ظهرت بيانات صاحب الرقم لتصيبها بالذهول.
الاسم: ماريانا مايكل.
العنوان : ذات العنوان التى كانت ضيفة على صاحبته فى الصباح.
كيف تفهم هذ؟.
لم يمهلها عقلها فى البحث عن جواب ..إذ ظهر الرقم ذاته على الشاشة يلح فى الاتصال بينما الذهول شملها وسيطر على مشاعرها تماماً.
وبيد مرتجفة ضغطت زر تلقى الاتصال وقالت بتوتر:
– ماريانا؟.
صوت طفلة تبكى فقالت:
– مارى.
جائها صوت مارى :
– لا أدرى أين أذهب؟..لا أجد ملجأ منه .
قالت جولى وهى ترهف سمعها جيداً عل أذنيها تلتقطان أى صوت بخلاف صوت مارى ينير لها الطريق وتستنج منه شيئاً :
– من هو يا مارى ..أخبرينى كى أستطيع مساعدتك.
قالت مارى باكية:
– لقد طردته أمى من البيت منذ أيام ..لكنه عاد ليقتلنا.
قالت جولى بلهفة:
– ما اسمه يا مارى ..ما اسمه؟.
هذه المرة طال الصمت قبل أن يصل اليها الجواب:
– أرجوك لا تجعليه يصل الى أختى ويقتلها.
كادت جولى أن تجن وسألتها:
– ما اسم اختك يا مارى..أخبرينى به وسأسعى لإنقاذها.
قالت مارى :
– اسمها ما…
وانقطع الاتصال.
انقطع بلا مقدمات.
لكن هذه المرة خرجت جولى بمعلومة هائلة.
القاتل شخص معروف وكان يعيش معهم فى البيت ..لكن أمها طردته لسبب ما ليعود لينتقم .
اتصلت هذه المرة برقم صديق لها وانتظرت حتى وصلها صوته ..وبعد تبادل عبارات الترحيب والمعاتبة على عدم الاتصال طوال الفترة السابقة قالت:
– ألا زلت تعمل فى المباحث الفيدرالية.
قال بحذر:
– لنفترض أنى ما زلت كذلك.
قالت شارحة:
– هناك أمر أحتاج لمعرفته تابع لقسم شرطة(…) ولا يريدون تقديم يد العون لى فيه.
وشرعت فى عجالة تقص عليه ما حدث.
وبفور انتهائها قال:
– سأرى ما أستطيع فعله ..مع أن القصة عجيبة.
قالت :
– أحتاج فقط أن أعرف ماذا فعلوا بعد تلقيهم اول إبلاغ منا بالواقعة ..وتفاصيل الجريمة التى وقعت فى العنوان الذى سأرسله اليك منذ حوالى ثلاثون عاماً.
قال ناهياً الحديث:
– ليكن ..انتظرى منى رداً.
أغلقت الخط وحاولت الاندماج فى عملها.
لكن بلا جدوى.
************
الخامسة والنصف صباحاً.
نصف ساعة وتنتهى ورديتها وتغادر المؤسسة .
تحتاج للنوم بشدة ..لكن شخصيتها تتمتع بصفة سيئة.
كلما واجهت مشكلة لا تستطيع النوم طالما ما زالت قائمة ولم تحل..وهذا يؤثر على أعصابها بالسلب.
وتلقى هاتفها اتصالاً من صديقها فتبخر الإرهاق وهى ترد على الاتصال:
– جولى كيف حالك؟.
قالت بحدة لم تخف عليه:
– فى أسوأ حال..هل توصلت لشىء؟.
قال متجاهلاً حدتها:
– الشرطة أرسلت دورية فور تلقيها التقرير لكنها لم تجد شيئاً ..وجدت العنوان تسكنه سيدة تدعى ماريانا ..سيدة عذباء تعيش وحيدة فقدت أمها وأختها على يد مجنون منذ ثلاثة عقود مضت.
قالت جولى:
– وهل يمت المجنون لعائلتهم بصلة؟.
قال صديقها:
– كلا..إنه متسول مجنون اعتاد التسول فى المنطقة ..السكان كانوا يتحاشونه ولا يحتك به أحد حتى فوجىء الجميع بارتكاب جريمته البشعة..قام باقتحام المكان وقتل الأم بالسكين وتناول البندقية الخاصة بالأب المتوفى والمعلقة فى حجرة الجلوس ونسف بها رأس الفتاة ،ومن حسن الحظ أن أختها كانت تبيت عند جدها وجدتها فى تلك الليلة وإلا لكان مصيرها مشابه بمصير أختها التوأم وأمها.
انتبهت جولى لعبارته وقالت:
– أتقول أختها التوأم؟.
قال مؤكداً:
– أختها مارى..مسكينة نسف المجنون رأسها بلا رحمة.
جاوبه الصمت فقال:
– هذا كل ما استطعت تجميعه من معلومات.
شكرته جولى وأنهت الاتصال وعقلها يكاد يجن فى محاولة لربط المعلومات بعضها ببعض بلا فائدة.
أيقنت أن النوم ضرورى لا محالة كى يصفو ذهنها أكثر.
لامفر إذاً من النوم.
وسلمت ورديتها لزميلها وغادرت الى منزلها.
لكن هل تستطيع النوم حقاً.
هل؟
**********
استيقظت فى السابعة مساءً.
بالفعل تشعر بصفاء ذهن منحها شعوراً بالارتياح ..فنهضت وجهزت لنفسها بعض الطعام وجلست فى المطبخ تتناوله بهدوء .
تناولت الريموت كنترول وأشعلت الشاشة الكبيرة التى علقت فوق الحائط وتابعت بنصف تركيز قناة الأخبار المحلية .
وبينما تلوك الطعام تناهى الى مسمعها رنين هاتفها المحمول فأسرعت حيث تركته على المائدة بالخارج.
نظرت الى الشاشة لتعرف هوية لمتصل.
وصعقت.
الرقم الرهيب يظهر على الشاشة .
على شاشة هاتفها المحمول بالذات.
فتحت الخط ووضعت الهاتف على أذنها ببطء وتوتر ليأتيها صوت مارى منفعلاً هذه المرة:
– سيقتلها ..أسرعى أرجوك ..أنت أملى الوحيد فى إنقاذها.
صرخت هذه المرة بانفعال:
– اتركينى لحالى ..لقد دمرت أعصابى باتصالاتك المريبة هذه.
ثم أضافت بصراخ:
– من تكونى ولماذا أنا بالذات؟..هل أنت شبح؟..طيف لا يجد الراحة فى عالم الأموات فقرر أن يعذبنى بهذه الطريقة.
جائها صوت مارى قوى عالٍ حازم أصابها بصدمة :
– إذهبى إليها الآن..الآااااااااان.
وانغلق الخط لتتسمر جولى فى موقعها كتمثال من المعدن.
ما معنى هذا؟.
وكالوحى هبط عليها الجواب من السماء.
شهقت بقوة وقلبها يتقافز داخل صدرها وهى تقول:
– يا إلهى ..لقد فهمت ..فهمت كل شىء.
واختطفت مفاتيح سيارتها واندفعت خارج المنزل دون أن تبدل ثيابها .
فليس هناك وقت لذلك.
وانطلقت بالسيارة كالصاروخ وطلبت رقم صديقها وقالت بسرعة فور سماعها صوته:
– دانى أحتاج مساعدتك بشدة.
قال دانى منفعلاً:
– ماذا حدث يا جولى..هل أنت واقعة فى مشكلة؟.
قالت جولى وهى تتفادى بعض الأحجار المتناثرة فى منتصف الطريق:
– هناك جريمة على وشك الحدوث فى العنوان الذى أمليتك إياه أمس..هل تذكره؟.
قال سائلاً:
– هل تحولت الى عرافة تتنبأ بالحوادث قبل وقوعها يا جولى؟.
قالت وهى تضغط على دواسة البنزين وتزيد من سرعة السيارة :
– أرجوك يا دانى لا وقت للشرح..هناك سيدة بريئة على وشك فقد حياتها فى أية لحظة..أرجوك أرسل دورية أو تصرف بأسرع ما يمكنك لمنع ما سيحدث.
استسلم لرغبتها برغم عدم اقتناعه وقال:
– حسناً حسناً..سأهاتف قسم الشرطة التابع للمكان يرسلون دورية وأنا بنفسى سأذهب الى هناك ..أنا على مقربة نصف ساعة من العنوان على أية حال.
قالت جولى وهى تشق غباب الطريق بسيارتها كالصاروخ:
– تقريباً سأصل فى نفس الوقت ونتقابل هناك.
وأنهت الاتصال وهى تضرب بقبضتيها على عجلة القيادة فى غضب وكأنها تحثها على المزيد من السرعة.
يجب أن تصل قبل فوات الأوان.
يجب عليها ذلك وإلا لن تسامح نفسها أبداً.
***************
أوقفت جولى سيارتها أمام البيت الذى غلفه ظلام الليل بقوة وهبطت من السيارة مندفعة كالصاروخ نحو باب البيت الذى وجدته مفتوحاً والصمت والهدوء يخيمان على البيت من الداخل والخارج.
نظرت حولها بلهفة ونادت بصوت هامس:
– ماريانا..ماريانا.
لم تتلق جواباً فتوجهت تبحث فى غرفة المكتب فلم تجد أحداً.
البيانو العتيق قابع فى منتصف المكان بينما ضوء خفيض يتسلل من النوافذ ليعطى لها بصيصاً من الرؤية.
أشعلت مصباح هاتفها القوى فأنارت الحجرة .
وأصابها الرعب فارتجفت فى شدة.
ففى ركن الحجرة رأتها.
فتاة صغيرة فى العاشرة من عمرها شاحبة الوجه رثة الثياب الملطخة ببقع الدم تمسك بعروسة لعبة بلت ملابسها بدورها .
مارى .
أو شبح مارى ينظر لها الآن.
رفعت مارى يديها وهى تشير الى السقف.
فهمت جولى ما تريد قوله وهزت رأسها واندفعت نحو الطابق العلوى.
طرقة طويلة نوعاً على جانبها أربع غرف .
فى إحدى هذه الغرف ستجد ماريانا .
أو تجد جثتها.
لكن ..أين القاتل المجنون؟.
لقد وجدت الباب مفتوحاً..وبالتأكيد هو السبب فى ذلك.
ومن آخر الطرقة رأت على ضوء هاتفها باب الغرفة الأخيرة ينفتح ويخرج منه عملاق متناثر الشعر وقف ينظر إليها وفى يده سكين كبير بشع.
ألجمت تماماً حتى أنها لم تقوى على الصراخ.
أطلق صيحة هائلة ورفع سكينه عالياً وجرى نحوها فى جنون فاهتز كيانها وانتفضت من الرعب وجرت تهبط درجات السلم ..
وتعثرت.
تعثرت لتسقط متدحرجة ويستقر جسدها على الأرضية وهى تأن بشدة وهاتفها يطير مبتعداً عنها والقاتل يهبط الدرجات ينوى معاجلتها بطعنات سكينه.
- دارك ويب: رواية جديدة مثيرة لصابر مرزوق بالتعاون مع وكالة كنزي للنشر
- أحمد طنطاوي يكتب: العصاري الممطرة (قصة قصيرة).
تحاملت وتجاهلت الألم ونهضت تحاول الفرار نحو الباب إلا أنها تلقت ضربة قوية فى ظهرها من قدم القاتل طارت على أثرها لتصطدم بالأثاث وتسقط أرضاً بلا حراك وهى تطلق صرخة ألم ورعب وفزع بلا حدود.
ورأت العملاق يتقدم نحوها ببطء ويقف على بعد خطوتين منها وهو ينظر لها فى صمت وكأنه قط حاصر فريسته ولم يترك لها سبيلاً للهرب.
ورفع سكينه بقوة وجنون وصرخ صرخة عظيمة وهبطت بها يده نحو عنقها فرفعت يديها تحمى بها وجهها وهى تصرخ فى فزع مغمضة عينيها.
وسمعت صوت ارتطام بينما العملاق يطلق آهة ألم.
فتحت عينيها بسرعة ورأت ماريانا تقف أمامه ممسكة بمضرب بيسبول قوى وتوجه لوجهه ضربة قوية نزعته من مكانه ليطير ويسقط أرضاً .
انحنت ماريانا وأنهضتها قائلة :
– انهضى ولنفر من هنا.
نهضت وهى تجرى معها نحو نافذة مفتوحة فقالت ماريانا:
– لنغادر البيت قبل أن..
ولم تجد الوقت الكافى لتكمل جملتها.
ففى سرعة البرق وجدت العملاق يجرى نحوهما ويغرس سكينه فى كتف ماريانا التى شهقت بقوة وألم فصرخت جولي وهى ترى الدماء تتفجر من كتفها.
ونزع القاتل سكينه لتسقط ماريانا أرضاً ويلتفت الى جولى ووجهه غارقاً فى الدماء.
أمسك جولى من رقبتها بقوة ورفعها عن الأرض ورفع سكينه وهوى نحو عنقها.
وأيقنت جولى أن هذه هى النهاية.
لولا صوت الرصاصة .
ووجدت العملاق يفلتها ويترنح والدماء تتفجر من موضع القلب ثم يسقط أرضاً بلا حراك.
– جولى ..هل أنت بخير.
اندفع دانى نحوها وتلقفها بين ذراعيه قبل أن تسقط فأشارت الى ماريانا ..ورأت رجال الشرطة ينتشرون فى المكان.
والآن حان وقت فقدان الوعى.
وسمحت لعقلها بالذهاب الى هناك.
هناك حيث الظلام.
***********
– لا أدرى كيف أشكرك.
قالتها ماريانا وهى مستلقية على فراشها داخل المستشفى فابتسمت جولى وقالت:
– لولا تحذيرات أختك ومساعدة دانى ورجال الشرطة ما تمكنا من إنقاذك.
قال دانى الجالس بجوارها:
– الحقيقة لم أكن أصدق حرفاً مما قالته لى جولى ..لكنى لم أستطع تركها وحدها فهرعت الى المكان بصحبة دورية شرطة لأرى ما ستفعله.
قالت ماريانا:
– الغريب أن مارى لم تحذرنى أنا وتواصلت معك أنت برغم أننا لا نعرف بعضنا البعض .
قالت جولى :
– لا أحد يعرف كيف تفكرالأشباح.
ابتسمت ماريانا فقالت جولى:
– لقد كان الأمر محيراً لى فى البداية ..ثم فهمت كل شىء وكأن الوحى هبط على من السماء بالحل..والدتك منذ ثلاثين عاماً كانت تتحاشى هذاالمتسول المجنون كما كان يفعل سكان الحى..لكن الرجل تتبعكم حتى باب البيت ليطلب طعاماً أو مساعدة ..لكن والدتك طردته وأغلقت الباب خوفاً منه عليكما..فوقر فى نفسه عزماً بالانتقام فهجم على البيت وقتل والدتك وأختك وكنت أنت المحظوظة لعدم وجدك فى البيت ليلتها..وتم اعتقاله وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية ..وما علمته قبل أن تفيقى أنه هرب من المستشفى ومازال عقله يعيش داخله فكرة الانتقام ..ولم يبق من العائلة سواك ..فأراد قتلك ليتم انتقامه ،علمت مارى أن هذا سيحدث وشرعت تحذرنى وتطلب مساعدتى..فى البداية كنت أظنها شبح يتعذب ويحاول تنبيهى لأمسك بالقاتل..لكن فهمت أن الأمر كله أنت محوره فى النهاية.
قال دانى:
– يا لها من قصة تصلح كفيلم رعب .
ضحكت ماريانا بضعف وقالت:
– لو حدث اتصال بينك وبينها مرة أخرى أخبريها أنى أفتقدها.
نظرت لها جولى فى حنان وقالت:
– تأكدى أنى سأفعل.
نهض دانى قائلاً:
– سنتركك لترتاحى.
ودعاها وانصرفا فأغمضت ماريانا عينيها فى ارتياح وعقلها يسبح فى الفراغ .
ومن وسط الفراغ كان وجه أختها يظهر مبتسماً.
أختها مارى.
مصطفى يونس يكتب: قصة جديدة.. - Kinzy Publishing Agency
[…] صابر مرزوق يكتبــ: 911 (قصة قصيرة) […]