يوجد شيء كبير في ذلك المشهد الأخير من فيلم الأب الروحي..إنه ليس الأخير تمامًا (فالمشهدالأخير هو لمايكل كورليوني الطاعن في السن، وهو ينهار ميتًا على مقعده بجوار قبر ما – ربما قبر ابنته أو قبر حبيبته الأولى التي قتلت يوم زفافها أو ربما قبر كاي- وحيدا بينما يلعب جرو صغير حوله وتحت قدميه)..أنا أقصد المشهد الرئيسي..مشهد الاغتيال..لقد أطلقت رصاصة غادرة نحوه ولكنها استقرت في جسد ابنته التي كانت تناديه، بينما هو يمارس حديثًا جانبيًا دون أن يلتفت لها..لم يلتفت لها إلا وهي تسقط منادية إياه للمرة الأخيرة بملامح تفيض دهشة تسمو لحد الصدمة..
انهمر طوفان من اللقطات التي تتصيد انفعالات أفراد العائلة بعد أن ينجح ابن الأخ (زعيم العائلة الجديد في قتل القاتل)..يحتضن دون كورليوني جسد ابنته وهو يرجوها مصدوما ألا تموت..ثم يتركها ويجلس بجانبها مخفيًا وجهه بكفيه..كاي تحتضن جثة ابنتها وهي تصرخ قبل أن يبعدها الابن الباكي وهو يردد: اتركيها!..اتركيها!
وتحين تلك اللحظة..اللحظة الكبيرة التي تنطلق مع صرخة مايكل (دون كوليوني) الصامتة الرائعة..الصرخة التي كان صوتها أعلى من الصوت..صرخة جعلت كل من حوله يضعون أحزانهم وصدمتهم جانبًا وهم يراقبونه في دهشة..دهشة من لا يفهم..ولا يستوعب..إنهم لا يصدقون بأن الجبل ينهار أخيرًا أمام أعينهم..صرخة تحمل طوفان قهر استمر لثلاثين عام، اضطر فيها مايكل كورليوني ولأسباب عدة بدأت من والده ثم العائلة وانتهاءً بكاي والأولاد..مايكل كان يبدو للجميع أنانيًا ومتجبرًا وحازمًا وقويًا..كان الدون كورليوني الذي لم ترمش عينه وهو يقتل زوج أخته ثم أخاه ثم كل من وقف في طريق وجود ومجد العائلة..
- صبري حسن يكتبـــ: عندما ينضم النمر للقطيع (قصة قصيرة).
- عبد الكريم حمزة عباس يكتبـــ: التناص الديني في نص الشاعرة إيمان العطيفى الموسوم ( ليلة يا ليلى).
دعونا نقتبس من كلمات اعترافه..
“لقد خنت زوجتي، وخنت نفسي، وقتلت رجالًا، وأمرتُ بقتل بعض الرجال، لقد قتلت أخي..قتلت ابن أمي..قتلت ابن أبي” قال الجملتين الأخيرتين وهو ينتحب، فكان رد أب الاعتراف ما معناه..
“لقد اقترفت الكثير من الذنوب؛ من الطبيعي أن تدفع الثمن وتتألم”.
نعم..دون كورليوني كان يتألم..قُتلت أول حبيبة له يوم زفافه..تركته كاي الرافضة لطريقة حياته..كرهته ابنته..كرهته اخته التي قتل زوجها يومًاما وقتل شقيقها في يومٍ آخر..كان من وجهة نظره أنه يفعل كل هذا من أجل الجميع..العائلة..لقد ضحى بالرجل الذي أراد أن يكونه من أجل الرجل الذي وجب عليه أن يكونه..
لكنه ظل حتى النهاية الرجل الذي يحتاج وجوده ويحتمي الجميع به، في نفس الوقت الذي يخافه ويرفضه الجميع أيضًا.
حتى حينما أراد التوقف، قوبل بالرفض من ابن أخيه الشاب الذي ثار على هدوءه وأخته التي أصبحت تخشى ضياع مكتسبات العائلة بعده.
وهاهو يموت عجوزًا وحيدًا بجوار قبر ذكرياته..
كل هذا يمكننا تفنيده من خلال المشاهد المتعاقبة في الفيلم..من حديثه مع كاي في منزل دون توماسينو حول أنها لم تكن لتفهم كل هذا وقت حدوثه، قبل أن ينزل خبر اغتيال دون توماسينو على رأسيهما بشكل صادم بلسان سائقه المتشنج المتعطش للانتقام..
لكننا هنا نقف أمام صرخته الصامتة..
إنني لا أستطيع أن أتخلص من تلك العادة السيئة وهي أن تدمع عيناي وأنا أشاهد دون كوليوني..مايكل..يصرخ صامتًا، مودعًا صرخته كل قهره وحمله وثقل عمره الذي حمله على كاهله..
لن يفهم هذا الشيء سوى رجال زماننا..
كلنا دون كورليوني بشكل ما.. ربما لسنا بتلك العظمة والاجرام..
ولكننا جميعا ودون استثناء قتلنا الرجل الذي حلمنا أن نكونه من أجل الرجل الذي وجب أن نكونه..
ليس بالضرورة أن تفهمي هذا أيتها السيدة هناك في المقعد الأخير..
فكاي أيضا لم تفهم..همست فقط “هذا العنف لن ينتهي” والمؤكد أيضا أنها في داخلها كانت تلوم الدون.. مايكل كورليوني.
أحمد طنطاوي يكتب: العصاري الممطرة (قصة قصيرة). - Kinzy Publishing Agency
[…] مصطفى يونس يكتبـــ: كلنا دون كورليوني. […]