You Create, We Appreciate

صبري حسن يكتبـــ: عندما ينضم النمر للقطيع (قصة قصيرة).

صبري حسن يكتبـــ: عندما ينضم النمر للقطيع (قصة قصيرة).
الكاتب صبري حسن
الكاتب صبري حسن
(1)
عبَّ الفأر في هدأةِ الليلِ كؤوسَ النشوةِ تباعاً حتي أصبح أقربَ ما يكون إلي الغيبوبة، وقام بعدما فرغتِ الكؤوسِ مترنحاً يتخبَّط في الحصي ويتعثر في الحفيرات المنتشرة في أرجاء الغابة، وتراءت له الأشجار هياكلَ عملاقة، تستحيل علي الإلمامِ بها، والاقترابِ من نهاياتها التي تغرسُ قممها في كبدِ السماء.
أغمض عينيه فوقع في حفيرة صغيرة، عاد وفتحها فتراءت له ذات الأشجار متقزمة باهتة، يراها من أعلي، ومدَّ يديه فتلمس بعض النجمات الهاربات في عمق الليل البارد.
(2)
لم يدر الفأر المتعملق بفعل الكؤوس التي صبَّها صباً في جوفهِ كم من الوقت مر به، ولا طول الدرب الذي سارهُ، لم يدرِ إلا وهو في قاعة فسيحة خاليةٍ من الحيوانات كافة، ويتصدرها كرسيٌّ مهيب.
ماهذا الكرسي؟؟ ياللعنة!!..إنه كرسي الأسد..وما المشكلة..لعل الأسد صار الآن كالأشجار متقزما باهتا..أو لعله موجود ومن فرط تقزمه لم تلمحه عيناي..مد الخطوات علي استقامتها وتسلق الكرسي حتي اعتلاه..طريق طويل ولكنه توازن فوق العرش.
(3)
داهمته الأحلام بملكه الكبير، نسي من هو؟ نسي أين هو؟ حتي صار الحلم حقيقة لديه..فصفق بكلتا يديه..وصرخ: أنا الملك.
وفجأة انتزعه-من أوهامه- دخول الذئب إلي القاعة، فانتابته اليقظة والرعب، ياتري ماذا يفعل الذئب الآن بي؟ إن ضربه بسيطة من كفه العملاق قد تسكنني باطن الأرض فضلا عما قد يفعله الأسد بعشيرتي عندما يصله الخبر.
عوي الذئب عواءا خافتا..فتزلزلت أوصال الفأر وأطار العواء الخافت ما تبقي في رأسه من أثر الخمر وأراد النزول من فوق الكرسي والتحجج ببعض الأعذار.
تأمله الذئب طويلا..وهو يتساءل عن فحوي وجود الفأر في هذا المكان، وغياب الأسد غير المعتاد: هل يهيننا الأسد؟ فيخرج في إحدي رحلاته وأسفاره وينيب عنه فأرا لحكم الغابة؟!! إن هذه هي الإهانة بعينها؟..وابتلع إهانته –رغما عنه-ليقينه بعدم قدرته علي مجابهةِ الأسد لدي عودته..
فتنتحنح قليلا ثم أطلق عواء ثانيا خاضعا، مزلزلاً كيان الفأر، ثم همهم: الوضع آمن في الغابة يا سيدي الحاكم.
وانتشر الخبر في الغابة الواسعة.
(4)
في الصباح الباكر تجمعت الحيوانات في الغابة يتناولون أمر استواء الفأر علي كرسي العرش، فغمغم النمر من بين أسنانه: هذه مهانة لن نقبلها، وهذا الحقير سأمزقه إربا..إربا.
الثعلب في مكر: أي حقير تقصد: الفأر؟..أم الأسد؟..
أشاح النمر بوجهه عن الثعلب ثم عاد يواجهه في قوة مع إبراز مخالبه: وهل أشغل بالي بفأر؟..أنا أتحدث عن الأسد، هو من أهاننا وليس الفأر عديم القيمة والفائدة والقوة.
الفيل في هدوءٍ: ربما فعل الملك ذلك ليختبر ولاءنا لاختياراته، وطاعتنا لأوامره، فلا تأمنوا مكره وقوته، وثقوا بأنه لن يتغيب طويلا.
القط: اللعنة عليهما جميعاً، ألم يجد غير الفأر ليجلسه مكانه؟ ماذا أفعل الآن لو جعت؟ ألا أستطيع أكل هذا الفأر اللعين الحقير؟!، ولا أستطيع الاقتراب من أي من أفراد عائلته، إن هذا القرار السادي يقتلني.
جدل طويل وهمهمات غاضبة ومستنكرة من هنا وهناك، وانتهي الاجتماع إلي ثلاثة أراء، فطائفة قررت الخضوع لحكم الفأر حتي يعود الأسد، وطائفة أخري قررت الاحتجاج علي هذا القرار أمام عرين الأسد حتي يعود، والطائفة الثالثة قررت الثورة علي الفأر وخلعه وتعيين أقوي الحيوانات ملكا حتي يتم النظر في أمر الأسد حين عودته.
(5)
سمع الفأر وهو في قاعة العرش ضجيجا وصراخا في الخارج فأيقن بالنهاية الآتية بلا مماطلة، واستعد لحفر الأنفاق والهرب بعيداً عن بطش الأسد العائد.
مولاي..همهم النمر في خفوت.
التفت الفأر إليه متعجبا: ماذا هناك؟..ماهذه الأصوات في الخارج؟.
النمر وهو يتحاشي النظر إلي الفأر: القطط والضباع تتآمر علي ملكك وملك الأسد، فالقطط تري في وجودك علي العرش قتل لها جوعا، والضباع تري أنك لن تصطاد ومن ثم فلن تجد جيفاً لتأكلها.
حك الفأر ذقنه في تفكير عميق: وما موقف بقية الحيوانات أيها النمر يا نائبي.
انتفخت أوداج النمر وتورد وجهه فها هو ذا صار نائبا للملك وهو منصب لم يكن يحلم به، فأسرع بالقول: الغالبية معك يا سيدي، والقطط والضباع من السهولة بمكان تفريق شملهم، إذا أذنت لي خرجت أنا وعشيرتي لنصطاد وترك بعض الجيف لهم ليأكلوا منها فإذا أكلوا سكتوا.
الفأر: إذن أطمعهم وأطعمهم وإملأ بطونهم.
النمر: أما الذئاب والكلاب فأمرهم مختلف..فهم يظنون أن الأسد ارتكب حماقة-اعذرني يا مولاي فأنا أنقل لك نقلا أمينا-بتعيينك ملكا حتي يعود- ومن ثم فهم في حالة غضب كونهم يرون أنهم كانوا الأجدر بهذه الثقة، فماذا يري مولاي؟.
الفأر بعد تفكير طويل: أطراف الغابة بحاجة إلي حراسة شديدة حتي لا يقتحمها علينا أحد، امنحهم قدرا من الاستقلالية وحرية الحركة وعينهم كبار الحرس علي حدود الغابة، وبهذا نكن قد اعطيناهم حرية ورئاسة وأبعدناهم عنا، وهناك سيفكرون في الاستقلال عن سلطتنا، وفي هذه الأثناء نشعل حرباً مع حيوانات الغابات المجاورة فيُقْتلونَ في هذه الحرب وبهذا نتخلص منهم، وإذا نجوا من القتل وانتصروا، نخبر الأسد حين عودته بأننا-أنا وأنت قد بذلنا جهدنا لمقاومة الكلاب المتطلعة لعرشه وحفظناه له.
النمر متعجبا: يالها من حكمة يا مولاي، نعطي الحبل لهم فينتحروا به ونملأ بطون آخرين فنأمن مكرهم ويخلص الحكم لنا.
ماذا تقول يا نمر؟..الفأر في صوت أقرب ما يكون للزئير.
الحكم لك يا مولاي…النمر في استسلام وخضوع.
(6)
استيقظت الغابة علي صوت زئير..مدوٍ هز أشجارها، وقلوب ساكنيها.
Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp