You Create, We Appreciate

سمية الإسماعيل تكتبــ: الأوديبية ما بين الجنة و النار دراستي التحليلة لقصة ” العصاري الممطرة” للكاتب: الأستاذ أحمد طنطاوي

سمية الإسماعيل تكتبــ: الأوديبية ما بين الجنة و النار دراستي التحليلة لقصة ” العصاري الممطرة” للكاتب: الأستاذ أحمد طنطاوي
الكاتبة سمية الإسماعيل
الكاتبة سمية الإسماعيل

قصة عصاري ممطرة للكاتب أحمد طنطاوي
نص غارق في الرمزية، يجعلنا نتحول إلى غواصين و علينا أن نكون مهرة في ذلك، لأن دره مغلف بألف صدفة، و غائر تحت سبعة أبحر.

هذا الكائن المدفون في عمق طفولته الأولى، و ذكراه بما كان يجود عليه النجدين، هذا التعلق الذي يشده إليه كلما غرق في حاضره المأسوي.. ما زالت على شفاهه طعم الحنان الممزوج فيه، يبقى زاده في رحلة ترحاله إلى حاضره الذي يصلبه على طاولة الحساب،في مشهد سيكولوجي بحت، عندما يخرج أوديب من سراديب لاوعيه،ليكون شاهد عيان على جريمته التي يرتكبها في خياله، وحدها كانت و ما زالت عشق الأزلي ، رابطه المقدس. و ما زالت تلك اللذة التي تسكنه منذ أول لقاء بين شفاه ترتشف ذاك المطر الأبيض من ذاك التكور اللدن..
الكاتب أحمد طنطاوي
الكاتب أحمد طنطاوي

” ترى كم مرة ارتشفت شفتاي الرقيقتان من ينابيع هذا المعطاء الحنون ؟”

يربكني ذاك الانتقال السريع في الزمان و المكان، بحيث يجعل الكاتب منهما مساحات شاسعة للتأويل
أتساءل عن ماهية تلك الصرخة ،التي جعلته يبدي ردة فعل ” أوقفت أصابعي بانعكاسة عصبية مرتعشة الوجدان، سحبت معها كل ضبابات حياتي ,”
إنها حالة من الضياع تغلف حياته بحيث لا يتضح لها رؤىً أو ملامح، و كأنه في حالة رفض لحاضر يعيشه، هذا الحاضر الضبابي الملامح، المتأرجح بين رغبات مشتعلة، و نواهي تفرضها النواميس..هذا التأرجح يملئه حزناً، في صراع يحيل كل ما حوله ضباب ، حتى ليتخيل أن هذا الحزن تعيشه أوراق الشجر اللامعة، و التي إن قاربناها لشيء فهي تشبه العيون التي إن ذرفت الدمع لمعت .. “، و لم أدر – و ما زلت – سر هذا الارتباط الحميم بين الحزن و تلك الأوراق اللامعة “..
كيف له أن يعرف أن الأوراق المبتلة بالمطر ، اللامعة بعد الاغتسال أنها حزينة؟ إنه إسقاط لدواخله ، الواعية و اللاواعية..
مشابك الغسيل، هي الأشياء التي تحكم الملابس من السقوط أو الطيران إذا ما هبت الريح.. إنها ، بمعنى آخر، صمام الأمان .. هذه المشابك تظهر لنا كرمز له دلالاته عند السارد، و عند الأم أيضاً، هل ترمز لذاك الارتباط الوثيق الذي لا ينفصم بين الأم و ابنها، هل هو ذاك الحبل السري الذي و إن قطع ، لكنه يبقي ارتباطه قائماً بين الأم و مولودها،حتى تصبح”مرآة روحه”
كل مايراه السارد حوله يعيده إلى بداياته كمولود.. حتى قطرات المطر تذكره بعلاقته بأمه، هذه العلاقة التي لم و لن تصل إلى الفطام…إنه ذات الارتشاف قبل و بعد ” عينا روحي البريئتان تلتهمان بشغف القطرات الندية , و يشم كياني عبق الأشجار المبتلة”.. كل شيء يرتحل به خلفاً إلى زمان و مكان لا يريد الخروج من دائرتهما.. و مع ذلك ها هو يريد الهروب..
أين الهروب ، “حيث المجاهل السحيقة للتأمل الساكن .” أتساءل إن كان أصلاً خرج منها ليهرب إليها..
” لماذا توقفت فجأة ..؟؟ “
لم أجد علامات التشكيل على الكلمات..
هل هناك من يتحدث إلى السارد، فباغته بهذا السؤال.. مع أن السارد لم يكن يتحدث لأحد، كان يعيش حالات من الارتداد خلفاً في خضم صراعه مع حاضره و ربما رفضه له.. إنه يعيش حالة قلق و توتر لم نعرف لها سبباً.
” هل كان يساءل نفسه، لم توقف عن التفكير حيث أنه كان منزوياً بفكره، في مجاهل تؤرجحه بين مد و جزر و لا شواطئ ترسو عليها و يستقر فيها فكره..
لا إجابات لديه لأي سؤال أصلاً فهو في حالة توهان و ضياع.. ينتظر أملاً ما ، ليخرجه من واقع مقيت ما، فرجة من باب حياته المغلق عليه كدائرة مغلقة يدور فيها بلا نهاية، فتحة تدخل شعاع ضوء، يقهر عتمة الغرق في غموض فكرة مريضة تؤرقه، يحاول أن يغادرها لكنها لا تغادره ..
إذاً ما كان الارتداد إلى مرحلة الرضيع إلا رفضاً ، كما قلت سابقاً، لواقع مأساوي قاهر ، و الدليل أنه ما زال لديه اتساع من الأمل لانفراجة ما تحدث لهذا الباب المغلق على عالم يتمنى لو أنه تمكن من فرصة للولوج إليه، عالم يخرجه من ألم أو حزن أو ربما وسيلة نجاة من صراعاته الداخلية..،
أو قد يكون سبباً في فصم عرى ذاك التعلق، أو تلك العقدة التى قد تؤدى به إلى فقد الرغبة فى تقبل أى امرأة غير والدته، كما أنها تصل به إلى أنه لا يسمح بدخول امرأة أخرى حياته.
“حتى هذه الدماء النازفة بغزارة , و التي تعلن فداحة ما صنعت لم تخرجني من دائرتي العجيبة”
ماذا حدث هنا؟ و ممن تنزف هذه الدماء؟ هل قام السارد بفعل أرعن ؟ هل ارتكب حماقة ما، زادت طين الضياع في مجاهل الوعي و اللاوعي، الرغبة و الموانع بين الحاضر و الماضي، بلة؟
أعود لرمزية اللون، الأحمر، رمز الدم؛ و الأخضر ، لون الشجر و التبرعم والذي قد يرمز للأمل أيضاً، بتدرجاتهما ..و أتساءل ماذا قصد بهما السارد، و لم هذين اللونين فقط؟
الألوان تتحدث، الألوان تناديه و تهزه، و تختلط حروفها بإيقاعات، ” في حلم” . أي أن كل ما كان يعيشه حلماً، خيالاته و الدم النازف و اللون الأحمر و الأخضر و الأصوات و الحروف و الايقاعات كلها حلم يعيشه حتى في يقظته.. لا شيء منطقي أو عقلاني يعينني على تفسير ماهية ما يعيشه السارد.. إلا أنه هروب آخر ؟
“أخرجتُ أخيرًا من حُلمي “
من أخرجك من حلمك ؟ و هل كان هذا الحلم عبئاً عليك؟ حتى استخدمت كلمة” أخيرًا” ماذا جرى في الحلم و لم تخبرنا عنه، سر ظل في طي فكر الكاتب.. فقط الابن و أمه يعرفان هذا السر .. فكلاهما يعيشان حالة الخوف ذاتها، خوف لا نعرف كنهه و لا نستطيع سبر أغواره و لكن هناك دليل واحد على أن حدثاً جللاً وقع، الدماء النازفة..
و ما زال السارد يكمل ما بدأه ، تعينه “هدهدة الأمومة الحاني” التي وحدها تستطيع أن تهبه قوة الاستمرار لتجنبه ذاك السقوط الفجائي في اللامعنى..
يدخلني السارد فجأة بمشهد ولادة جديدة، بعد كل الارهاصات ، و آلام المخاض .. و وسط الدماء و هدهدة الأمومة الحانية، يسترد كينونته، و نشاطه الجسدي، ولادة لا تخلو من ألم و حزن و أسى .. تمثلها ” الهزات العنيفة و قطرات المطر المنتحبة”، أهي حالة الفطام أخيراً و انفصال جسدي لارتباط كان مؤلماً بقدر ما كان لذيذاً
“كنت أعدو هاربًا بجنون من هذا الحُلم الجميل الكئيب .. ..هذه الجنة لم تُخلق لنا”
الهروب ثانية، من ” الحلم الجميل الكئيب” كيف يجتمع ضدان ، أو لنقل نقيضان ؟ حلم جميل # كئيب.. يجتمع، أجل… عندما تحبسك رغباتك الحسية في دائرتها فتأخذك في حاضر حلم ثم تأتيك فاجعة الصورة التي تحتل شهوتك، فتنتفض مذعوراً راغباً عن تلك الجنة التي دخلتها رضيعاً، لكنها لم تعد جنتك و قد صنعت بك ارتحالات السنون ما صنعت.. إنه ال taboo. و عليك إلا تتعدى حدوده.
إنهما يستسلمان لقدرهما، في حالة صمت مغلفة بكثير من اللوعة و الاحساس بالقهر، غارقة خطاهم بمياه الشارع، و من لهما يحمل معهما ذاك الثقل الرازح على أرواحهما المتعبة إلا الشارع الغارق بمياه المطر و الغارقة فيه أقدامهما ، أتراها وجنتاهما تلمعان من ماء المطر أم من ماء العيون؟ هل كان المطر طهراً ؟ في مدى شاحب ينذر بنهايات لا تسر
هو و هي و طريق مبتل سرق منهما عمراً، وحدهما يعرفان السر ، و حدهما يعيشان الحزن و يربتان على وجعهما .. و ما زالت مشابك الغسيل، لم تبح بسرهما
“هناك … فى زاوية الشارع , لمحتها تبكي تحت شجرة …
رفعت وجهها العجوز المتغضن ناحيتي في حزن خابٍ , و بيدها مشابك الغسيل .”
Related Posts
1 Comment

[…] سمية الإسماعيل تكتبــ: الأوديبية ما بين الجنة و النار د… […]

Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp