You Create, We Appreciate

رواية ملح السراب للكاتب السوري مصطفى الحاج حسين الفصل الخامس عشر والأخير.

رواية ملح السراب للكاتب السوري مصطفى الحاج حسين – الفصل الخامس عشر والأخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة ابن العم الغالي، (الأستاذ سامح)، تحيّة عربيّة صادقة، أبعثها إليكَ من صميمِ القلب، وأتمنّى أن تصلكَ وأنتَ بألفِ خيرٍ وعافيةٍ، كما أرجو من الله عزّ وجلّ، أن يديمكَ على رؤوسنا سنداً لكلّ العشيرة، فنحن بفضلكَ صرنا من أقوى العشائر في المنطقة.
وبعد يا ابن عمّي العزيز.. لقد وصلني عتبك الشّديد اللهجة، وتبيّن لي أنّ الشّكاوى التي وصلت إليكَ بحقّي ظالمة ومغلوطة، فأرجو ألاّ تلومني إلاّ بعد أن تعرف منّي الحقيقة.
نعم.. أعترف لكَ بأنني أقوم بضربِ عمّالي، ولكننّي أضربهم بدافع حرصي على المصلحة العامة، كما علّمتنا أنت، فليست لي عداوات شخصيّة مع أحدٍ من العمّال، كما طلبتَ منّا أنتَ، فأستغلّ منصبي لأضربه، كما جاءتكَ الأخبار، ثمّ أننّي لا أستسني أحداً من الضّرب، حتّى لا أحد يتحسّس منّي، بما فيهم أولاد عشيرتي ، وهذا دليل كبير على نزاهتي وعدالتي، لأنّك المَثَل الأعلى في هذا المجال، دون منافس.. فأنا أكره أخذ دور المتسلّط، وعندي المصلحة العامة، كما تعلم، تقتضي الشّدة والحزم، ليتمكّن المسؤول من إنجاح عمله، كما تقول أنت دائماً في مؤتمراتك المؤثرة، انطلاقاً من إيماننا المشترك بالاشتراكية، لأنني أعي ذلك، فأنا أبذل كلٌ ما بوسعي لتوعية العمال الجهلة، لمصلحتهم ومصلحة البلد.. ومن لا يفهم ويستوعب، بعد كلّ هذا، ألا يستحق منّي التّوبيخ والعقوبة والزجر والضرب؟!.
أمّا العمال الذين رفعوا تقريراتهم إلى النقابة، فينبغي طردهم من العمل، ليكونوا عبرة للآخرين، وبذلك لا تدبّ الفوضى في المخبز، وأمّا رئيس قسم العجن،(سعيد الحاج رضوان)، فعلينا التحقيق معه فوراً، لأنّه يحرّض العمال ضدّي،وهذا ينعكس سلباً على المصلحةالعامّة، وعلى الوطن وأمنه عامّة.. وهنا تكمن الخطورة والفظاعة والبشاعة ياابن العم..(فسعيد)هذا لا يسمع الكلام ولا ينفذ الأوامر، أقول له دائماً:
– عجبب أمرك يا سعيد؟! كيف تحرّض
العمال ضدّي، وأنت ابن عشيرتي؟!.
فيتّهمني بأنّي أضرب العمال لغاية شخصيًة.. واستمرّ في تحريضه للعمّال
حتّى تفشّت ظاهرة خطيرة للغاية.. وهي مجادلة العمال لي، والتفلسف، والمطالبة بالحقوق.
يريدون تقليل ساعات العمل،وكأنّ عشرة ساعات من الاستراحة في اليوم الواحد لا تكفيهم؟!.. فهم لا يدرون أنّ الأمم المتقدمة تعمل ليلاً نهاراً، وهذه المعلومة، مقتبسة من خطبك أنت يا ابن العم.
كما قلت لك يا ابن العم العزيز (سامح) العمال يطالبونني بأشياء مضحكة، والأكثر غرابة أنهم طالبونني بالسّماح لهم بالنّوم بضع ساعات، خلال دوامهم الرّسمي، أسوة بي، صاروا ( الكلاب) يحسدونني على بضعة ساعات أنامها، أثناء الدّوام، متناسين المسؤوليّة الجسيمة الملقاة على كاهلي؟!.
انظر إلى هذه الوقاحة، وقلة الذّوق
، وعدم التقدير والاحترام ، يا ابن العم، والله أكاد أجن من هذه الصّفاقة وعدم الشعور بالمسؤلية.. إنّهم جهلة، أوغاد.
أشياء خطيرة تحدث عندي في المخبز، وأخشى أن يقوموا بالإضراب، أو بتحطيم الآلات، وأنا بحكم مسؤوليتي لن أسمح لهم بذلك.. لذلك أبدو قاسياً عليهم بعض الشيء.
نعم.. لقد ضربت عامل القطّاعة
ذلك العجوز الأجرب بسبب استهتاره وعدم تقيّده بالتعليمات الصادرة عنّي، قلت له أكثر من مرّة:
– ممنوع شرب الشاي أثناء العمل، أنت هنا كي تعمل..والمصلحة العامة تقتضي
منكَ أن لا تضيّع دقيقة واحدة هدراً، دون إنتاج.
لكنه بهيم لا يفهم، دائماً يكرر نفسَ الجريمة، وأجده يشرب الشاي، والأفظع من كلّ هذا، أنّه بدأ يجادلني، ويناقشني، قال:
– ياأستاذ (رضوان) دوامنا طويل أربع عشرة ساعة،ونحن وراء الآلة(ساهرون)
ألا يحقّ لنا أن نشرب كأس شاي ؟!.. أنت عندك / وهنا بدأ يتحاقر /، أنت عندك هنا ندوة، وعاملة خاصة من أجل أن تصنع لك الطعام والقهوة والشاي، فلماذا المسموح لكَ، ممنوع علينا ؟!
وهنا لم أعد أمتلك أعصابي، فضربته
وحرمته أجرة العمل الإضافي لمدة شهر كامل.. وأعتقد بأنني لم أظلمه
بل هو من ظلم نفسه بنفسه.. بسبب حيونته.
والكلب (سعيد)، أقنع هذا العامل الغبي بضرورة رفع تقرير بي.
وممّا قاله في التّقرير:
– ضربني رئيس الوردية، المدعو
(رضوان الحاج رضوان) المدعوم من ابن عمه وصهره، (المدير العام للشركة) الأستاذ (سامح الحاج رضوان) لأننّي لم أقدّم له الكرسي في باص النقل الدّاخلي،فقد التقينا صدفة في الحافلة
وكنت قد منّ الله عليّ بكرسي، وأنا متعب.. وفجأة لمحت رئيس الواردية في الباص، واقفاً، لا مكان له.. وخطر لي أن أنهض وأتنازل له عن مكاني.. ولكنّي أكبر منه سنّاً.. أنا بعمر والده، ثمّ أننّي متعب، ومنزعج منه، فقد تسبب بحرماني من أجرة العمل الإضافي، لمدة شهر كامل.. لذلك تظاهرت بعدم الإنتباه له.. ولم أعطه مقعدي.
لنفترض كلامه صحيحاً، أليس على النقابة أن تبصق في وجهه الأجعد
لأنّه تشاغل بالنظر إلى الشوارع من خلف الزجاج، ولم يقم متظاهراً بأنّه لا يراني؟!.
أليس من حقّي أن أغضب ؟!.. لقد شعرت بأنّه أهانني حين تجاهلني، إنّه لم يحترم رئيس ورديته، بالتالي كان مستهتراً بالنظام وبالمصلحة العامة
صحيح يكبرني بأكثر من ثلاثين عاماً، ولكن مع هذا أبقى أنا رئيس ورديته، وعلى الإنسان المحترم أن يحترم من كانوا مسؤولين عنه، لأنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا درجات.
وهكذا وبنفس الطريقة حرّض (سعيد) كلّ العمال ضدّي، فصاروا عصابة متحالفة، يكتبون التقارير ضدّي ويقدمها (سعيد) الخائن للنقابة، حتّى أنّه لا يقدم التقارير للّجنة النقابية عندنا في المخبز، لأنّه كما يزعم بأنّ اللجنة النقابية منحازة معي، وهي مع الإدارة ضدّ العمال، لذلك يقدّم التقارير إلى أمانة النقابة بالذات، وهؤلاء النقابيون باتوا يزعجونني ويقلقون راحتي، ولولا أنّهم يعرفون بأنّ ظهري مسنود بجنابكم، لكانوا قد ضايقوني بالفعل.
ولكن مع هذا فالنقابة شجعت العمال بشكلٍ غير مباشر على الاستهتار بي، حتّى إنّهم بدأوا يطلقون التّسميات عليّ ،يقولون:
– (إنّي أبو طبخة)، لأنّ كرشي كبيرة، ويدّعون أنّي ألتهم طبخة كاملة في وجبة واحدة.. وكأنّ هؤلاء البهائم يطعمونني على حسابهم، صارت الكرش مسخرة للجهلة!!.
مع أنّها صحة من الله عزّ وجلّ، وأنا أفتخر بها لأنها تمنحني الوجاهة، أليس كلّ المسؤولين أصحاب كرش مثلي، وخاصةً كرشك أنت يا ابن عمّي كم لها من هيبةٍ ووقار ؟!.
ويسمّونني أيضاً قزماً، وكأنّ القصر شيء معيب متناسين بأنّ كبار المسؤولين في العالم قصيرو القامة.
وأيضاً يقولون عنّي:
– أبو رأس الكبير.. والأصلع.
متجاهلين أنّ الرأس الكبير والأصلع، يمتاز بالعبقرية والذّكاء.
وراحوا يرسمونني على الحيطان داخل دورة المياه ويسقّطونني على الجدران أيضاً.
شائعات كثيرة يتداولونها، منّها أنني أنا الذي قمت بتعيين المدير، وجميع الإداريين.
ويقولون عنّي:
– لو كان يملك شهادة دراسيّة، لنصّب نفسه مديراً عاماً.
وبعد كلّ، ذلك، أليس من الواجب أن نضع فردة حذاء في أفواه من يتفلسفون؟!..، خصوصاً وأنّهم راحوا أيضاً يتهموننا بالسرقة أنا وجميع الأخوة الإداريين.
لقد بدأت أفقد هيبتي في المخبز
ولا يمكنني ترك النقابة تشجّع العمال على هذا النّحو ،والسّكوت عن (سعيد) رأس الفتنة، الذي قال عنّي في أحد تقاريره:
– شاهدّت (رئيس الوردية) يمارس الجّنس مع عاملة التّجميع (مريش الصياد)، كانت (مريش) تبكي وترجوه أن يتركها في حالها.
لأنّها دخلت المستودع كي تأخذ أكياس نايلون، من أجّل تعبئة الخبز، وانقضّ عليها (رئيس الوردية)، مهدداً بأنّها لو عارضت، سوف يطردها من المخبز، مع حرمانها كامل راتبها، وحينما حاولت التدخل، وكنت مصادفة قد دخلت المستودع، ضربني رئيس الوردية، ولم يكتفِ بأن يضربني ويطرد العاملة (مريش) من عملها، بل حرمني أجرة العمل الإضافي، لمدة شهر كامل، وأنا منذ أكثر من سنة لم أتقاض أجرة العمل الإضافي، بسبب العقوبات الدائمة
ولو لم أكن مثبّتاً في وظيفتي لكان طردني أيضاً مع العاملة (مريش الصياد).
كان هذا السّافل يتجسّس عليّ إذاً. ولا تستغرب أن ينشر أخبارك غداً، في البلدة، فهو ابن (عمّك) ويعرف كلّ أسرارك.
ثمّ مادخله هو والنقابة في مثل هذه الأمور الشّخصيّة ؟!.. وأنا لم أغتصب العاملة (مريش) بل كانت تمانع دلالاً (كعادتهنّ) ، وحينما تفاجأت (بسعيد)، يدفع باب المستودع ويدخل علينا، انقلبت وصارت تتظاهر بالعفّة والشّرف.. ويقول المثل (اللي مابدّلي زمبيلها، ماحدابعبيلا) هذه أشياء خطيرة تحدث، كما ترى يا ابن العم، ياصهري العزيز.. فلماذا لا نتخلٌص من (سعيد) هذا، انقله.. من هذا المخبز، أو دبّر أيّ طريقة للتخلّص منه.. وإن لزم الأمر نتخلّص من كلّ العمال، وأنا على استعداد كامل لتدبير عمال وردية كاملة تكون مخلصة لي خلال يوم واحد.
وإلاّ أرجوك أن تنقلني من هذا المخبز، إلى أي شركة تراها مناسبة لي، رغم حرصي الشديد على البقاء مع الأخوة الإداريين، وخاصة المدير، لما بيننا من حبّ وتعاون.
وأخيراً.. فأنا لا أشكّ أنّكَ الآن، تبينت الحقّ من الباطل، وإنني على ثقة من أنّك لن تتركني أعيش في مثل هذه المهزلة.
ودمتم لنا ياابن العم .
التوقيع: ابن عمّك
رضوان الحاج رضوان.
ملاحظة :
=======
بلّغ تحيّاتي وتحيّات زوجتي(سميرة) .. إلى شقيقتي (مريم) وكافة الأولاد. وندعوكم لقضاء عدة أيام عندنا في البلد.
هناك مشكلة بيننا وبين (عشيرة الدّراوشة) عسى بوجودك أن تجد لها حلّاً، خاصة وأنّهم يخافون من وجودك بيننا.
ملاحظة ثانية وهامة:
==============
(أحمد) شقيق صديقي(مدير المخبز)، مطلوب لخدمة العلم، بعد أيام، سأرسله لعندك في العاصمة، من أجل فرزه لمكان مناسب.. لأجل والده المتعاون والوفي.
وشكرا ..
حلب
مصطفى الحاج حسين.
حلب
نهاية الجزء الأول.. وقد أستطيع كتابة الجزء الثاني.
Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp