إن نقد النقد ، أو ما يسمى ميتا نقد ( Metacriticism ) ، هو من الحقول المعرفية المعاصرة التي بدأ ظهورها في ستينيات القرن العشرين ، و اتضحت معالمه و تبلورت في الثمانينيات.
و اذا كان النقد هو العبارات الخاصة بدراسة الأعمال الأدبية، فإن نقد النقد هو الذي يضع هذه العبارات موضع الفحص و المسائلة ، أي أن نقد النقد يهتم بمراجعة القول النقدي نفسه ، حيث حدد الناقد الكبير ( الدكتور جابر عصفور ) ، نقد النقد بأنه ( هو قول آخر في النقد يدور حول مراجعة القول النقدي ذاته ، وكذلك فحصه ) .
و في مكان آخر يقول د. جابر عصفور في كتابه الموسوم ( قراءة التراث النقدي ) حيث يصف نقد النقد بأنه ( نشاط معرفي يهتم بمراجعة الأقوال النقدية ، كاشفا سلامة مبادئها النظرية ، و أدواتها التحليلية و إجراءاتها التفسيرية ) ، وهذا التعريف يوضح وظيفة نقد النقد.
كما أن الناقد الجزائري ( عبد الملك مرتاض ) في كتابه الموسوم ( نظرية النقد ) ، يوضح اذا كان للمبدعين من الساردين و الشعراء نقاد ينقدون ما يكتبون ، فإنه يجب أن يكون هناك نقادا كبارا ، ينقدون أولئك النقاد.
اي اذا ما اعتبر أن صاحب العمل الأدبي مبدعا اولا ، فإن الناقد يعتبر مبدعا ثانيا ، وأن ناقد النقد يعتبر مبدعا ثالثا.
- صابر مرزوق يكتبــ: فى ذكرى أستاذ الجيل د. نبيل فاروق.
- مسرحية “جداريات العرابة المدفونة”: تجربة مسرحية فريدة من نوعها تكرم تراث الفنان المرحوم”حمدي طلبة”.
ما هو الفرق بين( النقد) و( نقد النقد ) ؟
أن موضوع نقد النقد هو أوسع و اشمل من موضوع النقد ، أي أن نقد النقد هو فوق النقد ، لأنه ينتقد أسلوب الناقد، و طريقة نقده النص الأدبي، و مدى نجاحه في تطبيق المنهج النقدي الذي اعتمد عليه ، و كيف تم التوفيق ما بين الجانب النظري و الجانب التطبيقي ، بالإضافة إلى دراسته النص الأدبي ذاته ، و بهذا يكون نقد النقد أوسع و اشمل من موضوع النقد.
إرهاصات نقد النقد
أن إرهاصات نقد النقد بدأت مع الفيلسوف اليوناني أرسطو و نظريته ( المحاكاة ) ، حيث كانت هذه النظرية بمثابة نقد لنظرية ( المحاكاة ) لاستاذه أفلاطون.
حيث عرف أفلاطون الفن بأنه محاكاة لعالم المثل ، عالم الحق و الخير و الجمال ، للوصول إلى العالم العلوي ، العالم المثالي .
أما أرسطو فقدم نظرية، نقد من خلالها استاذه أفلاطون، وقال إن الفن محاكاة و لكن ليس محاكاة لعالم المثل ، بل هو محاكاة لعالم الواقع بخيره و شره ، أي أن الفن يحاكي الأفعال الخيرة و الأفعال الشريرة على السواء .
و لكي يحقق الفن مبدأ التطهير ، حيث قال أرسطو: إن المشاهد عندما يرى الشخصية الشريرة ، و يرى نهايتها المأساوية ، تتركز عنده احاسيس الخوف و الشفقة على الشخصية ، و تجنب الوقوع في نفس مصيرها ، حيث يبدأ في تطهير نفسه من الأخطاء و الآثام التي وقعت فيها الشخصية .
اي ان أرسطو وضع نظرية نقد فيها نظرية أفلاطون.
ومن أهم رواد نقد النقد في العصر الحديث الناقد الفرنسي ( تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov) صاحب الكتاب الموسوم ( نقد النقد ) ، حيث ذكر تودوروف في هذا الكتاب نظريات نقدية ، وتم نقد مجموعة من المفكرين و المؤرخين ، بالإضافة إلى شرح نقد المناضلين السياسيين.
أما الناقد الجزائري( عبد الملك مرتاض ) ، فهو قد طرح سؤالا مهما جدا ( هل من الضرورة أن يكون نقد النقد مخالفا و معارضا للنقاد المنقودين ؟ ) ، و قد وضع جوابا لهذا السؤال وقال ( أن نقد النقد يعتبر إضاءة لافكار النقاد و تقويم أي اعوجاج في دراستهم النقدية ).
إرهاصات نقد النقد عند العرب
أن نقد النقد ظهر بصورة واضحة خلال العصر العباسي ، حيث باشر العرب بنقد النقد، بطريقة مباشرة من غير استخدام المصطلح .
أما في العصر الحديث، فكثير من النقاد يعتبر أن كتاب طه حسين الموسوم ( في الشعر الجاهلي ) ، هو أول مشروع عملي لإنتاج نظرية نقد النقد عند العرب، حيث أثار هذا الكتاب جدلا كبيرا بين النقاد و الكتاب الذين تناولوا هذا الكتاب بالنقد ، و وجهوا اتهاما خطيرا لطه حسين في إيمانه، ومن هؤلاء ( مصطفى صادق الرافعي ) ، و الذي بين في كتابه الموسوم ( تحت راية القرآن ) نقدا شديدا لكتاب طه حسين ، واعتبر هذا الكتاب تشويها لصورة الإسلام، لأن طه حسين في كتابه قال ( أن الشعر الجاهلي لا ينتسب للعصر الجاهلي ، و ليس له صلة به ، ولكن في بداية ظهور الإسلام كان الشعر الجاهلي يمثل حياة المسلمين و ميولهم و أهواءهم ، كما أن فريق من الباحثين يعتبر أن كتاب ( النقد و النقاد المعاصرون ) للناقد محمد مندور من أوائل الكتب المهمة في نقد النقد.
أهمية نقد النقد
أن أهمية نقد النقد تتلخص في :
١ – الكشف عن نقاط القوة والضعف في الممارسة النقدية
٢ – المساهمة في إيجاد حركة نقدية جدلية.
مستويات نقد النقد
أن نقد النقد يعمل على أكثر من مستوى، الأول: أن كل ناقد يدرس أعمال ناقد آخر من خلال زوايا معينة ، مثلا مفاهيمه النقدية رؤيته التنظيرية ، و يحدد رأيه فيها ، أما أن يكون مطابقا أو مخالفا مع ذكر الأسباب لكل رأي.
المستوى الثاني : هو دراسة تطبيق نقدي للناقد ، حيث يتم الربط ما بين التطبيق و النظرية ، ويتم ملاحظة مدى فهم الناقد للنظرية و هل هناك توافق ما بين الجانب النظري و الجانب التطبيقي ام لا .
بينما المستوى الثالث : فناقد الناقد يدرس منجزات نقدية متنوعة و يخرج منها برؤية جديدة شاملة .
ان نقد النقد له وظيفة جمالية و فكرية و إجتماعية، وأنه ليس من المقبول أن يتحول نقد النقد الى نقد ذاتي لخدمة اغراض شخصية.
(*) المصدر: محاضرة د. إبراهيم حجاج- بتاريخ ٥ أكتوبر- عام ٢٠٢١.
عبد الكريم حمزة عباس