You Create, We Appreciate

عبد الكريم حمزة عباس يكتبـــ: نظرية التلقي عند كل من (هانز جاوس) و ( ولفجانج أيزر ) (*) الجزء الثاني

عبد الكريم حمزة عباس يكتبـــ: نظرية التلقي عند كل من (هانز جاوس) و ( ولفجانج أيزر ) – (*) الجزء الثاني
الناقد: عبد الكريم حمزة عباس
الناقد: عبد الكريم حمزة عباس

المسافة الجمالية:

هي قائمة على مفهوم التغريب عند الشكلانيين الذين يقولون أن الجمال لا يتحقق في النص إلا عن طريق تغريب اللغة ، أي إستعمالها بشكل غير مألوف ، ولقد استفاد هانز جاوس من هذا الطرح و ذكر أن القيمة الجمالية للنص تتحدد من خلال المسافة بين افق النص و بين افق توقعات القارئ، و سماها المسافة الجمالية، وتتلاشى القيمة الجمالية عند تطابق الافقين ، بمعنى أنه كلما اتسعت المسافة الجمالية، كان ذلك محققا للقيمة الجمالية في النص الأدبي، أي كلما ابتعد النص الأدبي عن المألوف كلما زادت قيمته الجمالية.
نظرية التلقي عند ( ولفجانج أيزر ):
لقد اهتم أيزر بالنص أكثر، و ارتباط المتلقي به ، كان إنطلاق أيزر هو السؤال كيف يكون للنص معنى عند المتلقي ؟ ، أي المعنى الذي ينشأ نتيجة التفاعل بين القارئ و النص ، من خلال ثقافة القارئ و خبرته و مستوى تعليمه ، ومن أهم المصطلحات التي استخدمها أيزر هو مصطلح ( ملء الفجوات) ، و مصطلح ( القارئ الضمني ).
ملء الفجوات:
وهو من أهم المفاهيم التي تبرز دور القارئ في عملية التفاعل عند أيزر، تأثر أيزر في استخدامه للمفهوم هذا بمفهوم ( الفلسفة الظاهراتية ) وهي التي تقول انه لا وجود للظاهرة خارج الذات المدركة لها، الفلسفة الظاهراتية تهتم بدور المتلقي، وهي أعطت المتلقي دورا أساسيا في العمل الأدبي من خلال ( ملء الفجوات أو الفراغات) ، أيزر يقول أن كل نص يحتوي على فراغات أو فجوات أو مناطق غير محددة ، أي مناطق غموض، و دور القارئ هنا هو ملء هذه الفجوات من خلال مخيلته وثقافته وخبرته وتجاربه ومعطيات النص والربط بين أجزاء النص و من هنا تتم عملية التفاعل بين المتلقي و النص.
مثال : مسرحية ( في إنتظار كودو ) للكاتب العبثي صموئيل بيكيت، يوجد شخصان هما فلاديمير و إستراجو ، تقابلا في مكان مهجور خالي من أي شيء ، ما عدا شجرة جرداء ، الإثنان كانا في إنتظار شخص مجهول اسمه كودو، ولا توجد أي معلومة عن كودو سوى أنه تواعد معهما عند الشجرة الجرداء.
ثم يبدأ حوار عبثي بين الشخصين، و بين فترة و أخرى يفكران في الانتحار ، لكنهما يفشلان في ذلك ، ولذلك يقرران إنتظار كودو ، الشخص المجهول الذي لا يأتي أبدا، هنا الكاتب صموئيل بيكيت وضع فجوة درامية متمثلة في شخصية كودو ، غموض، من هو كودو ؟ الفجوة هنا يملؤها القارئ حسب ثقافته و مخيلته ، وتجربته و توجهاته و ذكاءه.
مثال كلمة كودو قريبة من الكلمة الانجليزية( god) و تعني إله ، أي أن كودو هنا هو رمز ( الله ) الذي سيخلص البشرية من عذابها و آلامها، ومن وجهة نظر مسيحية ( كودو ) هنا يرمز للسيد المسيح.عليه السلام، رمز الخلاص، و متلقي آخر مثلا فكره ماركسي يقول أن( كودو ) يرمز إلى الثورة الإشتراكية التي ستقضي على فساد الرأسمالية.
اي أن القارئ يملء الفجوة التي وضعها الكاتب ، ملء الفجوة هنا نوع من التفاعل بين المتلقي و النص ، جعله شريكا في بناء المعنى ذاته.
مصطلح (القارئ الضمني ):
وهو القارئ الذي يضعه الكاتب نصب عينيه أثناء الكتابة ، فيضع له مجموعة من التوجيهات الداخلية ، تجعل تلقي القارئ لهذا النص ممكنا .
أي أن الكاتب خلال كتابته للنص يتخيل أمامه قارئ لما كتبه ، فيبدأ بوضع أحداث و يضع فجوات و يتصور كيفية تلقي القارئ لهذه الأحداث، و الفجوات ، كيف سيأول القارئ هذه الفجوات و يفسرها ، أي أن القارئ الضمني ليس قارئا حقيقيا ، و ليس هو القارئ الذي سيقرأ النص ، بل هو قارئ متخيل ، يتصوره الكاتب أثناء كتابة نصه ، ويسمى ايضا ( القارئ المضمر ) ، أو القارئ المخفي ، وهو يختلف عن القارئ الفعلي .
القارئ الفعلي هو العنصر المهم في نظرية التلقي، وهو الذي يستخدم خبراته السابقة و تجاربه عند قراءة النص لتكوين صور ذهنية أثناء القراءة .
حيث يوجد مستويان للقراءة ، مستوى الإدراك المباشر ، و مستوى الإستذهان.
١- مستوى الإدراك المباشر:
هو تعامل القارئ مع الهيكل الخارجي للنص ، يتمثل في معطيات النص اللغوية أو الإسلوبية، لكن علاقة القارئ الحميمية بالنص لا زالت معزولة ، أي لم يحصل تفاعل حقيقي بين القارئ والنص، أي أن القارئ فهم المعطيات الخارجية للنص فقط، دون الدخول إلى دلالات و تفسيرات و تأويلات النص.
٢ – مستوى الإستذهان:
وهو إعمال خيال لذهن القارئ، لكي يساعده على إكتشاف دلالات النص و تأويله و تفسيره جماليا ، وهو مستوى أعلى من مستوى الإدراك المباشر.
أيزر وضع ثلاث سمات مهمة للقارئ الذي اسماه القارئ الفعلي وهي:
أ- يتحدث بلغة النص بإقتدار.
ب – عنده علم بالمعارف الدلالية و المعجمية و التعبيرات الاصطلاحية وغيرها.
ج- عنده قدرة أدبية.
أي قارئ يصل لمستوى الناقد الخبير.
فمهمة القارئ ليس الإستحسان أو الاستهجان، بل البحث و التنقيب و إعمال الفكر و إدراك العلاقات ……ألخ .
وهذه العملية جعلت القارئ شريكا أساسيا في صنع المعنى ، ومن هنا ستكون القراءة تختلف حسب أمرين مهمين ، الأول: طبيعة القراء و نواياهم و الثاني حسب طبيعة النص الأدبي.
(*) المصدر : محاضرة د. إبراهيم حجاج- بتاريخ ١ ديسمبر – عام ٢٠٢٠.

Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp