بعد النهاية مجموعة قصصية تجذبنا فيها ندى يسري بقصصها القصيرة جدا رويدا رويدا، بين قصص مثيرة وقصص غامضة، وقصص أقرب إلى أن تكون ومضة، تثير الذهن دون أن يصل إلى مداها وعمقها، فتثير تحدي القارئ أكثر وأكثر، ليواصل القراءة والتفكير معا، ثم تتدفق القصص برواية أنثى أو بطولة أنثى في معظمها، لتقدم صورا من الحياة، ومزيجا من العلاقات الإنسانية المتناقضة وغير البريئة بين أستاذ وتلميذته، وأخرى بين فتاة وشيخ، وأخرى بين مؤذن وساقطة، وثالثة بين مسن مريض بالشيخوخة وممرضته، وبين شاب موظف ورئيسته العجوز المتصابية، وتتوالى الحكايات في اتجاهات شتى، وتتزاحم فيما بينها بعناوين مختلفة وأبطال مختلفين، ويظل القارئ متوترا إزاء الحكايات وتفسيرها الافتراضي، والشخصيات ودلالاتها المتضاربة، إلى أن نصل إلى «بعد النهاية»، لتبدأ الأديبة ندى يسري مرحلة جديدة تجعل القارئ يلهث وهو مستمتع بالفكرة العبقرية التى اهتدت إليها، وكأنها-بل هي بالفعل- براءة اختراع لم أقرأ ولم أسمع عن مثلها من قبل، وقد مهدت لها في أولى صفحات الرواية، بل بعنوان الرواية الذي يظل طلسما حتى نصل إلى هذا الجزء الذي أعتبره أجمل ما في المجموعة وأكثر ما فيها تشويقا وإمتاعا.
فعنوان المجموعة «بعد النهاية» عنوان مثير وغامض، ثم أتبعته في أولى صفحاتها بقولها«ليست هناك نهاية واحدة لأي قصة ولكننا نحن فقط نتخير النهاية التي تريحنا أو التي نراها مناسبة»، ليزداد شغفنا بمحاولة فض هذه العلاقة بين العنوان وبين المجموعة انطلاقا من هذه العبارة التقديمية، ونظل في هذه التساؤلات ومحاولة مداعبة نهايات قصصها القصيرة جدا المتتابعة إلى أن نصل إلى مجموعة من القصص تحمل اسم «بعد النهاية» مهدت لها بقصة قبلها لتدخل بنا إلى عالم السينما المثير الممتع سواء بأبطاله الممثلين الحقيقيين كما في قصة «معجون وفرشاة » التي جاءت على لسان ممثلة حقيقية تقارن بين عمر الشريف ورشدي أباظة في تعاملهما معها سواء في الفيلم أو في الكواليس، لتكون هذه القصة تمهيدا للدخول إلى مجموعة «بعد النهاية» الحقيقية والتي تتلخص فكرتها في عمل امتداد لقصص بعض الأفلام بعد نهايتها المعروفة على شريط السينما، كما شاهدناها جميعا، لتبدأ قصة ما بعد النهاية كما تتخيلها الأديبة ندى يسري، فبدأت بفيلم لا أنام وحكت القصة على لسان بطلته «نادية» وليست فاتن حمامة، حيث تذكرنا بنهاية الفيلم باشتعال النار فيها وفي أبيها ليلة زفافها، ولكنها لم تمت بل عاشت بتشوهها الذي أحدثه فيها الحريق وعولجت على مدار أربع سنوات، ثم تحكي قصتها كيف تزوجت من «سمير» عشيق زوجة أبيها وأنجبت منه ولدا، لتحافظ على ثروتها التي ورثتها عن أبيها إلى آخر الأحداث التي جرت لباقي أبطال القصة، وهي هنا تذكرنا بأبطال القصة من الممثلين، من خلال تتر الفيلم وهم هنا فاتن حمامة ويحيى شاهين وعماد حمدي وعمر الشريف ورشدي أباظة، ولكن الأديبة مدت الخط على امتداده حيث واصلت نادية رغم نجاتها بأعجوبة في شرها وإشعال المشاكل بين ابنها وزوجته حيث إنه طبعها ينمو معها ولا يفارقها.
ثم تنتقل إلى أفلام أخرى بنفس الفكرة، في أفلام «تمر حنة»،«الباب المفتوح»، «فتاة الاستعراض»، «شباب امرأة» وأخيرا «دعاء الكروان» لتجعلنا في دار عرض سينمائي مشوق مقدمة فكرة عبقرية بوضع نهايات بعد النهاية، في قصص أضفت على المجموعة مزيدا من الحيوية وزادتها تشويقا ومتعة خصوصا لمن شاهد هذه الأفلام ويتذكر قصصها جيدا، ولكن ماذا عن الجيل الجديد من الشباب الذين لم يشاهدوا هذه الأفلام مثلما رأيناها؟!
وعندما تكتب الأديبة كلمة النهاية لمجموعتها، تجعل القارئ يبحث في خياله عن نهاية جديدة لكل فيلم شاهده، بل لكل قصة قرأها، ثم يعاود قراءة المجموعة من جديد، ليتخيل ما بعد النهاية لكل قصة كتبتها ندى يسري.
أما لغة المجموعة فكانت رشيقة خفيفة لا تشعر بها بسبب سلاستها وتدفقها سواء في السرد أو الحوار الذي تخللته بعض الجمل باللهجة العامية بل وبعض السباب ولكنه كان ذا دلالة في موضعه.
هي مجموعة تستحق أن تقرأ بل تستحق أن تناقش من جوانب مختلفة.