You Create, We Appreciate

صابر مرزوق يكتبــــ: بسام.. (نوفيلا مرعبة)

صابر مرزوق يكتبــــ: بسام.. (نوفيلا مرعبة)
الكاتب والروائي : صابر مرزوق
الكاتب والروائي : صابر مرزوق

سار الأستاذ مجدي عبر الطرقة المؤدية لفصله الدراسي وقد تناهى الى مسامعه الصخب والضوضاء الصادران من داخل الفصل وقد أغلق التلاميذ الباب على أنفهم كي يتمكنوا من اللهو والعربدة على رأيه بعيداً عن عينه.

واقترب من الباب الذي كتب عليه باللون الأسود (3 / 1) والصخب يتعالى كلما اقترب أكثر مما يدل على وجود عبث شديد من هؤلاء الشياطين الصغار.
فتح الباب فجأة . وكالفئران المذعورة وبأسرع من البرق ارتص التلاميذ خلف مقاعدهم وكأن شيئاً لم يكن.
غلف الصمت الفصل والتلاميذ يترقبون ما سيفعله فنظر اليهم نظرة ( أنا أعرف ما تفعلون ).
لكنه غض الطرف وتوجه لمقعده وقال:
-قيام.
نهض الجميع في ثبات وصمت.
-الثلاثة الأوائل يأتوني بكراسات الواجب.
انفصل عن مقاعدهم صبي وفتاتان ممسكان بكراسات جميلة خضراء وناولوها له وهو جالس على مقعده وقال:
– جلوس
وفتح الكراسات وصحح الواجب وهو يبتسم.
هؤلاء الثلاثة هم أفضل تلاميذه ورأى فيهم بذرة النبوغ . فكان يصحح كراساتهم أولاً ثم يجعلهم يصححون كراسات باقي التلاميذ .هدفه زرع بذور القيادة والمسئولية المبكرة فيهم ..صحيح أنه بعد ذلك يقول بمراجعة الكراسات بنفسه لكنه يكون قد حقق مراده.
الفصل مكون من ثلاثة صفوف فقال:
– بسام صحح الصف الأول وأنت يا فاتن تولي الصف الثاني وسارة الصف الثالث، وأي طالب تكاسل عن عمل الواجب أخرجوه ليقف على السبورة.
تناول الثلاثة من حقائبهم أقلام حمراء وبدأوا يصححون الكراسات بدءً من التختة الأولى بينما اندمج الأستاذ مجدي في إعداد الدرس تاركاً المساحة للثلاثة كي يمارسوا سلكتهم التي منحها لهم.
وصل بسام للتختة الأخيرة فقال لزميله :
-كراسة الواجب.
ناولها له ففتحها بسام وقلب صفحاتها وعقد حاجبيه وقال:
-أين الواجب يا صبحي؟
همس له صبحي كي لا يسمعه الأستاذ:
-لقد نسيت كتابته.. صحح أي شئ ولا تخبر الأستاذ كي لا يضربني.
سكت بسام قليلاً وهو يقيم الموقف ثم قال:
-لا أستطيع.. لو علم الأستاذ مجدي سيعاقبني.
قال صبحي برجاء:
-سأنقله قبل انتهاء الحصة فلن يلاحظ.. وأعدك ألا يتعرض لك أحد بالأذى في الفصل.
كان صبحي هو زعيم الفصل وصاحب الشخصية المسيطرة على الجميع كعادة التلاميذ في هذا السن فقال بسام:
-كلا .. لو اكتشفها الأستاذ سيعاقبني أنا .
وناوله الكراسه قائلاً:
-غادر التختة وقف على السبورة.
كشر صبحي عن أنيابه وقال:
-أهذا آخر كلام؟
-هذا آخر كلام
نهض صبحي فبدا كشيطان وهو يرمق بسام بنظرة نارية ودفعه في كتفه فتراجع إثر دفعته للخلف وغادر التختة وسار حتى وقف أمام السبورة فنهض التلميذان الجالسان بجانبه على نفس التختة وتوجها للسبورة وأحدهما يقول:
-ونحن أيضاً لم نكتب الواجب.
التشكيل العصابي كاملاً يقف على السبورة في انتظار العقاب وهم ينظرون لبسام نظرات كراهية ووعيد لم يعبأ بها بسام الذي كان ينظر من النافذة ..فالفصل يقع في الطابق الثالث ونافذته تطل على الحديقة الخلفية ..واندمج في مراقبة عصفور يطير بصعوبة ليقف على فرع شجرة قليلاً ثم يهوى مترنحاً ليقع على الأرض.
****************
انتهت الحصة وبدأت الفسحة وسارع بسام يغادر الفصل ونزل السلم سريعاً والتف حول المبنى حتى وصل للحديقة الخلفية وسار بخطوات حذرة على العشب وهو يبحث عن العصفور ليجده ساقطاً تحت الشجرة فتوجه اليه وركع على ركبتيه ومد يده وتناوله برفق ونظر له بإشفاق ..والعجب أن العصفور قد استكان بين أنامله الصغيرة ففرد جناحه برفق ليجد بقعة دم وثقب إثر طلقة رش اخترقت جناحه فغمغم:
-لقد اخترقت الرصاصة جناحك وهذا أفضل وسأصحبك معي للبيت حتى تتعافى.
داعب رأسه بإصبعه فأغمض العصفور عينيه .
وفجأة طار في الهواء ووجد بسام نفسه مطروحاً أرضاً إثر جذبة قوية من ياقة قميصه ليفلت العصفور من يده رغماً عنه ويسقط أرضاً في عنف فصاح بسام في هلع:
– إنه جريح ..سيموت هكذا.
لم يعبأ لنفسه بقدر ما عبأ للعصفور المصاب . وظهر وجه صبحي ورفيقيه في المشهد.
– أيها الجبان أتختبئ مني في الحديقة؟
التقط أحد الشياطين العصفور الذي تألم بشدة من ضغطة قبضته عليه.
– أنا لم أختبئ منك .. أترك العصفور أولاً وسنتكلم.
تناول صبحي العصفور غير عابئ بآلامه وقال:
– هاذ العصفور؟.. أتريده؟ ..حسناً تعالى وخذه.
وشكل الثلاثة مثلث وهو في منصفه فقذف صبحي ا لعصفور لزميله وحاول بسام التقاطه ففشل ليتقاذوا العصفور فيما بينهم وهو يضحكون ويسخرون من بسام وهو يحاول ا تقاطه صائحاً:
– سيموت هكذا ..أرجوك يا صبحي لا تفعل ذلك.
لكنهم لم يعبأوا لصياحه فتوقف بسام عن المحاولة وهو ينظر من بين دموعه لجسد العصفور الذي تراخى تماماً فالتقط صبحي العصفور وقلبه وقال:
– لقد مات .. لو طاوعتني لما مات هذا العصفور.
وألقاه أرضاً بلا مبالاة وبسام يثبت نظره على الجسد الساكن أرضاً..
لم يشعر بالصفعات الهائلة التي وجهها له صبحي ولا بطرحه أرضاً ممزقاً القميص ولم يشعر بالدم السائل من أنفه إثر ركلة قوية وجهها له أحدهم.
كل جوارحه تعلقت بجسد العصفور الميت الساكن على الأرض. لم يشعر بانصرافهم من حوله يغشاهم الشعور بالنصر وتحقيق الانتقام متعالين الضحكات فنهض زاحفاً على ركبتيه حتى وصل لجسد العصفور.. ونظر اليه ومد يده يقلبه علي الأرض ثم علا بنظره لنافذة الفصل . النوافذ اكثرها مفتوحه فمد يده فارداً كفه أمامه وهو معقود الحاجبين و أنفاسه تتلاحق بسرعة و صدره يعلو و يهبط وغصة مؤلمة انحشرت بحلقه .
مد يده للأمام لتقف على كفه ذبابة .
ثم تلتها ذبابة تالية ..
و ثالثة ..
و بدأ الذباب يحتشد على كفه بكثافة مخفية .
*********************************
– أين بسام ؟
قالها الأستاذ مجدى و هو يرتب أوراقه علي مائدته الخاصة بعد انتهاء الفسحة وقد لاحظ أن جميع الطلاب في أماكنهم ماعدا تلميذه النجيب بسام .
– لم نره في الفسحة يا أستاذ .
انطلقت العبارة من أحدهم فتناول إصبع الطباشير وأغلق باب الفصل وشرع يكتب علي السبورة وعقله يفكر في بسام وقدر أنه في الحمام أو العيادة وقال لنفسه :
– سرعان ما سيظهر بعد قليل
وبينما هو يكتب حامت حوله ذبابة ووقفت علي رأسه فلوح بكفه طارداً إياها .. ثم عادت و معها ذبابتان ووقفت أحدهما علي يده التي يكتب بها في لزاجة فطوح يده وهو يقول :
– ما هذه الجرأة ؟.. تقف علي يدي المتحركة غير خائفة ؟
ووصل اليه صوت همهمات الطلاب من خلفه فالتفت إليهم مندهشاً لقد تعود ألا يسمع لهم نفساً يذكر .. فهو قابع علي صدورهم كالجاثوم .
– ما هذا الصوت الذي أس…
وتوقف عن إتمام عبارته وعيناه تتسعان في دهشة .
لقد كان الذباب يملأ الفصل بشكل كثيف والتلاميذ يلوحون بأيديهم لطرده من حول أجسادهم بلا جدوى.
فكلما طردوا واحدة حلت محلها عشرة .
وبسرعة توجه للنافذة الأولى في محاولة لغلقها .
وتوقف .. كان يلمح سحابة سوداء هائلة تلوح في الأفق وتقترب من المبني بسرعة مخيفة .
كان بسام يقف وسط العشب وقبضتيه مضمومتان مفرودتان بجانبه ونظره مثبت على النافذة.
التقت عيناه بعينيه لحظة وهو يتساءل عن سر وقفته الغريبة .
وبلا مقدمات انهالت أسراب الذباب داخل الفصل أفواجاً. فالسحابة السوداء عبارة عن أسراب من الذباب.
تعالت الصيحات الفزعة من التلاميذ ليتراجع مجدي في عنف ليسقط على الأرض وعيناه تلمح من وسط الغزو الرهيب تلاميذه يتساقطون مختفين تحت أفواج الذباب والأزيز يصم الآذان .
الذباب كان غاضباً..غاضباً لأقصى حد.
ومن وسط هذا الموقف الرهيب لمح مجدي ، صبحي وهو يهرول محاولاً الخروج من الباب ثم سقط أرضاً وهو يتلوى مطلقاً صرخات رهيبة ..صرخات اختلفت عن صرخات زملاؤه.
صرخات بلغت بالألم أقصاه.
وفي دقائق كما هجم فجأة اختفي فجأة وكأنه جاء لمهمة محددة .
غادر الذباب الفصل بلا تفسير ..وانخلع قلب مجدي حين رأى وجه صبحي وزميليه وقد تحولت وجوههم الى وجوه مشوهة تماماً.فالذباب أفرز مادته الكاوية على أجسادهم ووجوههم فأذاب جلودهم ولم تعد لهم ملامح تذكر.
نهض مسرعاً ليغلق النافذة خوفاً من عودة الذباب الغاضب وهو يصرخ:
– اغلقوا النوافذ بسرعة.
وبينما هو يغلق النافذة نظر لإسفل فرأى بسام يفعل شيئاً ما..
دقق النظر فوجده يحفر في الأرض ويضع داخلها جثة عصفور ويهيل عليه التراب.
لكن أكثر ما أصابه بالرعب هو ما كان يحوم محتشداً فوق رأس بسام.!
أعداد كبيرة من ا لذباب تلف وتدور فوق رأسه وكأنها تحرسه دون أن تهاجمه.
فرد بسام كفه ليقف عليا مجموعه من الذباب للحظات ثم يتفرق في الهواء مبتعداً..
نظر له بسام نظرة بلا معنى ثم استدار وانصرف..
انصرف تاركاً أستاذه يعاني أقصى درجات الذهول.
**************************
(هاجمت أسراب من الذباب مجموعة من التلاميذ في مدرسة (….) في واقعة هي الأولي من نوعها وأسفر الحادث عن سقوط ثلاث ضحايا تشوهت ملامحهم إثر إفراز الذباب مادته المذيبة عليهم وقد انتقل الى مكان الحادث العقيد فلان والرائد فلان ).
طوت أم بسام الجريدة وألقتها جانباً وقالت لبسام الجالس أمامها لماذا فعلت ذلك يا بسام ؟
قال بسام :
– لقد هاجموني وقتلوا العصفور وقد كان جريحاً يا أمي .ولقد وعدته أن أصحبه معي للبيت لكنهم قتلوه بوحشية.
نظرت له في صمت وعقلها يعود لمشاهد من حياته في الماضي.
مشاهد أيقنت من خلالها أن ابنها ليس طفلاً عادياً أبداً.
*******************************
كان ابن عامين حين بدأت تلاحظ.
ذهبت الى مشتل للزهور لشراء زهور للمنزل واصطحبته معها..قالت لها البائعة الشابة وهي تداعب أنفه مبتسمة له:
– أول مرة تصحبيه الى المشتل يا مدام
– حان الوقت ليرى الدنيا بعيني.
كانت تحب الزهور واعتادت شرائها من هذا المشتل لتزين بها الغرف وبسام ينظر للزهور منبهراً فهو وإن كان اعتاد رؤية الزهور في البيت في كل مكان لم يرى مثل هذه الكمية من قبل.
– أتفضلين شراء الزهور من المعروض هنا أم تختارين من الحديقة الخلفية؟
كان المحل بواجهته الزجاجية يعرض ما تم جمعه وتجهيزه من باقات الزهور المختلفة . وخلف المحل كانت هناك مساحة من الأرض يتم زراعتها والإعتناء بها لإنتاج الزهور.
– بل سأتفقد الحديقة.
وأمسكت بيد بسام وعبرت باباً لتجد نفسها وسط حديقة غناء تفوح برائحة الزهور المحببة منها بكثافة.
سأتركك هنا تختارين ما تشائين وسأعود بعد قليل.
عادت من الباب للمحل فتلفتت حولها تختار ما بين الزهور وبسام ينظر لكل هذا في سعادة. تركته من يدها وبدأ تختار من بين الأنواع ولاحظت بطرف عينها ابنها وهو يسير نحو زهور الياسمين ويقف ليتأمل فراشة ملونة وقفت على زهرة يانعة.
تركته مطمئنة فالمشتل له أسوار تعزله عن الشارع ..واندمجت في انتقاء الزهور التي ستشتريها.
وبعد دقائق سمعت صوت البائعة
– هل وقع اختيارك على ش….
بترت عبارتها بلا مقدمات فنظرت لها أم بسام قائلة:
– نعم لقد اخترت عدة أنواع .
لم ترد ولاحظت نظرها مثبت تجاه بسام والدهشة تكسي ملامحها الدقيقة فنظرت تجاه ابنها وقالت بتلقائية:
– يا إلهي ما هذا؟
رأت بسام مغطى تماماً بالفراشات التي أخذت تحوم حوله وتستقر عليه وهو يداعبها بأصابعه الصغيرة في سعادة كبيرة.
لفظت اسمه بدهشة فنظر إليها ببراءة وبسمته الرقيقة تعلو شفتيه.ثم فرد كفهيه للأمام فسارعت الفراشات تزدحم حول كفه الصغير في مشهد ألجم الإثنتان تمامً.
مرت دقائق وتفرقت الفراشات وعاد بخطواته الصغيرة الى أمه وقال بحروفه الملعثمة:
– إنها سئيدة.
ومن وقتها بدأت تلاحظ..
تلاحظ قدرة ابنها العجيبة.
************
– أماه أريد أن أريك شيئاً.
سمعت عبارته وهي واقفة في المطبخ ، لقد بلغ عامه الخامس.
نظرت اليه ووجدته واقفاً حاملاً صندوقاً ورقياً صغيراً فقالت:
– ما هذا؟
وضع الصندوق على المائدة برفق وقال:
– لقد وجدته أثناء لعبي مع أصدقائي على السطح.
كان سطح البناية مرتعاً لأبناء الجيران في مثل سنه وقد اعتادوا اللهو واللعب يومياً عليه لذلك قام الآباء بتأمين السطح وإعلاء السور حرصاً على سلامة الأطفال.
– إنه مريض يا أمي
توجهت للصندوق بحذر وفتحته ..وأجفلت .
راقداً في الصندوق يتنفس بصعوبة ويفتح ويغمض عينيه بألم..
فأر أبيض من فئران التجارب فقالت:
– فأر؟ .. جلبت للبيت فأر يا بسام؟
قال وهو يداعبه بإصبعه:
– إنه ليس فأراً عادياً.
صاحت بحدة:
– بسام ..أخرج هذا الفأر من البيت حالاً.
قال ووجهه يعلوه الحمرة:
– إنه فأر سيرك وقد فر وهو الآن مريضاً ..سيموت إذا أخرجته.
قالت وهي تجذبه من يده وتجلس على كرسي صغير مستدير:
– من أين علمت أنه فأر سيرك هارب؟
قال وهو يستكين للمستها :
– هو أخبرني!
التقطت نفساً عميقاً ..لم تشأ أن تحطم قلبه وهي تعلم درجة رفقته بالحيوانات فقالت وهي تحتضن وجنتيه بكفيها في حنان:
– بسام ..أريدك أن تعدني بشئ.
– قال بصوت خفيض:
– ما هو.
نظرت في عينيه وقالت:
– لا تجعل أحداً يلاحظ أنك تستطيع التواصل مع المخلوقات .. أنت مميز عن أقرانك بذلك.
– أليس كل الناس مثلي؟
– كلا ..أنت فقط. وسيكرهك الناس لأنك مميز عنهم ..الناس تكره من هو مختلف.
ثم سألته السؤال الأهم:
– كيف تفهمها يا بسام ؟ … هل تتحدث لغتها؟
قال ببراءة:
– كلا.. بمجرد أن ألمسها أو أنظر في عينيها أسمع في عقلي صوتها و أشعر بمشاعرها.
أومأت برأسها متفهمة . إنه لا يعرف لغات المخلوقات كما كانت تظن بل هو نوع من التواصل العقلي..توارد خواطر.
– حسناً سأداوي الفأر وتعدني أن تخفي قدرتك عن الناس.
قال وهو ينظر للفأر داخل ا لصندوق:
– فارو..اسمه فارو.
تناولت هاتفها وأجرت اتصالاً بالصيدلية أسفل المنزل وسألتهم عن طبيب بيطري .
– فارو سعيد الحظ جداً يا بسام .. هناك طبيب بيطري قريب وسيرسلونه بعد قليل.
احتضنها بقوة وحب فربتت على ظهره برفق والقلق يعصف بها من المستقبل.
فهي تعلم أن الإنسان عدو كل غريب.
**********************
كبر بسام.
صار في السادسة عشر.
وكعادة الصبيان في هذا السن تحركت مشاعره يدفعها إعجابه بابنة الجيران..
مشاعره التي حركتها رياح المراهقة الفتية لتلقي به على شاطئ رباب.
ذات عينين خضراوين وشعر أشقر معقوص طويل خلف ظهرها.ظل يتحين الفرصة ليصارحها بحبه ثم يتردد في اللحظة الأخيرة ويقول لنفسه:
– حتماً سأجد فرصة أخرى.
قرر أن يكتب لها خطاباً ويعطيه لها أثناء عودتها من المدرسة فتحجج لأمه بأعذار واهية ولم يذهب لمدرسته كي يتمكن من انتظارها عند أول الشارع فلا يضيع عليه موعد عودتها.
كتب الخطاب ووضعه في ظرف ملون و نثر عليه العطر ثم دسه في جيب بنطاله وتوجه لأمه وقال:
– سأشتري شيئاً من السوبر ماركت يا أمي.
– الطعام سيكون جاهز بعد نصف ساعة فلا تتأخر.
– أبداً..
وطار طيراناً على درجات السلم ليجد نفسه في الشارع ..
حث الخطى حتى وصل للمكان الذي خطط لنتظارها عنده ..هنا سيعطيها الخطاب ويختفي من أمامها قبل أن تفهم.فإذا كانت تبادله المشاعر فسترسل الرد وإلا سينسى الموضوع برمته.
وظهرت بشعرها الأشقر اللامع تحت أشعة الشمس التي زادته بريقاً حاملة حقيبتها قادمة نحوه .
استعد وأمسك بالخطاب مخفياً إياه خلف ظهره وهم بالسير تجاهها..
وتوقف!
لقد ظهر في المشهد فجأة شابين يمسك أحدهما سلسلة انتهت مطوقة عنق كلب أسود شرس .
بدأ الوغدان في التحرش يلقيان على مسامعها عبارات الغزل الرقيع في سماجة وهي تسير محاولة ألا تظهر خوفها من الكلب الضخم ومنهما شخصياً.
الشارع شبه خال في هذاا لتوقيت فهما يسكنان في شارع هادئ بطبعه ومن يشاهد الموقف قرر عدم التدخل وتجاهله تحسباً من حدوث ما لا يحمد عقباه ، فخوض معركة مع وغدان وكلب شرس ليست مضمونة النتائج.
سارت رباب بين الشابين متجاهلة عباراتهم السمجة حتى وقف الممسك بالكلب أمامها ليمنعها من التقدم.
تطور الأمر إذاً من المعاكسة بالعبارات الي التحرش الصريح.
وقفت رباب متسمرة والكلب ينبح وقد علاها الخوف من نباحه ولم تدري ماذا تفعل.
– لماذا يتجاهلنا الجميل؟
قالها الشاب الآخر فردت:
– دعاني أمر ولا تثيرا المشاكل.
– نريد أن نتعرف فقط ..ما ا سمك يا جميلة؟
جائهما صوت رجل من المارة تشجع وقال:
– ماذا تفعلان أيها الشقيان؟
نظر له الممسك بالكلب وقال :
– لا تتدخل فيما لا يعنيك؟
وهز السلسلة فاندفع الكلب في شراسة تجاه الرجل الذي انتابه الخوف وفر مبتعداً فجذب السلسلة ليوقف اندفاع الكلب وهو يصيح:
– جبان.
وعاد بنظره لرباب يقول:
– ماذا كنا نقول يا جميل؟
جاءه صوتاً من خلفه يقول:
– كنا نقول غادرا من هنا وإلا ستندمان.
واقتحم بسام المشهد ليقف بينهما وبين رباب لتصبح خلف ظهره وهو في مواجهتهما قائلا لها :
– لا تخافي لن يستطيعا إيذائك.
قالت بخوف:
– بسام .. لا تكن أحمق ، معهما كلب شرس.
صاح الممسك بالكلب :
– هل تريد أن تعرف من الذي سيندم؟
وترك السلسلة من يده وهو يحفز الكلب:
– عليك به يا ماركو..مزقه.
واندفع الكلب والزبد يتطاير من شدقيه لينخلع قلب رباب من الرعب وهي تطلق صرخة فزع.
والتقت عيني بسام بعيني ماركو.
وفوجيء الجميع بأن الكلب الرهيب يبطئ خطاه ويصدر صوتاً كالأنين من حنجرته.
ووقف أمام بسام محني الرأس وهو يهز ذيله فربت بسام على رأسه برفق وداعب شعره وهو يبتسم.
أصاب الذهول الشابين الذين تعودا أن يفتك ماركو بضحاياه .
– لقد قلت لكما ستندمان لكنكما لم تصدقاني.
قالها بسام وهو يضع يده على رأس الكلب الذي جلس مستكيناً تماماً فأكمل:
– انظرا خلفكما.
التفتا لينظرا خلفهما ثم تجمدا..
كلاب الشوارع تحيط بهما من كل جانب وتطوقهما بإحكام مدروس وكأنها كلاب مدربة على الحصار والقتال وهي تطلق زمجرات متوعدة مخيفة.
قال احدهما بتوتر:
– ماركو .. تعالى هنا.
لم يعيره ماركو اهتماماً وكأنه لا يعرفهما مسبقاً وقد تدلى لسانه في بلاهة وهو جالساً بجوار بسام الذي يداعب رأسه بيده فقال بسام لرباب:
– سمعت أحدهما يقول اخبريني باسمك وندعك تمرين..
أومأت برأسها أن حدث فصاح:
– وأنا لن أدعكما تمران حتى تخلعا ملابسكما.
صاح أحدهما :
– ماذا تقول ؟ لن أخلع ملابسي أبداً.
وبفور انهاءه العبارة أحاطت بهما الكلاب وتعالت زمجراتها بشراسة وهى تقترب مطلقة نباحا منذراً بالويل.
أخرج بعض المارة هواتفهم يصورون ما يحدث من بعيد دون أن يتدخلوا..
وأيقن الشابان أن شيئاً ما ليس طبيعياً فيما يحدث وأنهما عليهما تنفيذ رغبته وإلا فتكت بهما الكلاب التي تتجمع بكثافة غير عادية حولهما تبغي تمزيقهما.
ولأنهما يعيشان بقانون الغاب ..القوي يفرض سيطرته على الضعيف ..أيقنا أن بسام في موقف قوة فكان من الحكمة الانصياع والخضوع مؤقتاً حتى يمر الموقف بسلام ثم ستأتي فرصة للرد.
خلعا ملابسهما ببطء وغيظ وهما يراقبان الكلاب الضالة التي تتوعدهم مزمجرة .
– إذهبا ولا أريد رؤية وجهيكما في الشارع ثانية.
وبلا كلمة واحدة مرا وسط الكلاب ببطء حتى غادرا دائة الحصار فقال أحدهما وهو يشيرالى بسام بسبابته:
– لم ينتهى الأمر بعد..سنتقابل.
وابتعدا حتى خرجا من الشارع . وهنا تفرقت الكلاب وعادت للتسول ورباب أنفاسها تتلاحق غير مستوعبة لما حدث وعقلها يبحث عن تفسير.
كيف فعل بسام ذلك؟.
ترجمت أفكارها لسؤال:
– كيف فعلت ذلك؟
قال وهو يداعب ماركو:
– ماركو سيصبح حارسك الشخصي .. اهتمي به وسيصحبك ذهاباً وإياباً أينما ذهبت.
وأفسح لها المجال لتسير وماركوا بجانبها وعقلها تضربه آلاف الأسئلة .
راقبها بسام حتى دخلت من باب البيت وأخرج من جيبه ظرف ملون تفوح منه رائحة العطر فتأمله ثم أطلق زفرة حارة وغمغم:
– حتماً ستأتي فرصة أخرى.
وعاد للبيت
************************************
انتشر المقطع كالنار في الهشيم على الشبكة العنكبوتية وشاهده الملايين كثيراً وخصوصاً من يكرهون الشابان بسبب أفعالهما ممن يعرفوهما فنحت والدة بسام هاتفها جانباً ونظرت لبسام الجالس أمامها في صمت وقالت بعتاب:
– لقد حذرتك وأخذت عليك وعداً تخفي قدرتك عن الناس ..الآن ملايين البشر شاهدوا ما فعلت.
قال وهو يطرق برأسه للأرض:
– كيف أتركها في موقف كهذا يا أمي ؟ ..الكلب كان سيمزقها ، لقد رأيت هذا في عقله.
فركت كفها بتوتر وقالت:
– ما حدث قد حدث ولن نستطيع فعل شئ.
– المقطع لا يدل على شئ يا أمي ولن يستنتج أحد شيئاً.
كلامه كان صحيحاً الى حد ما ..سيبرر الناس الأمر بأي تفسير عدا الحقيقة إلا أن القلق يعصف بها لا تدري له سبباً. هناك خطر ما ..تشعر به وتتوقعه لكنها لا تعرف من أين يأتي.
رن جرس الباب لينهي الموقف فذهب لترى القادم لتفاجأ برباب ووالديها خلفها فقالت أمها وهي تندفع لتلثم خدها:
– سناء حبيبتي ..لقد شاهدنا ما فعله بسام وأصر والدها على أن نشكره .
قال والدها في حرج:
– أنا عاجز عن الشكر يا سيدتي.
– لا شكر على واجب ..بسام لم يصنع المعجزات وأي شاب في موقفه كان سيفعل أكثر من ذلك.
وأفسحت المجال فدخلوا جميعا وهمت بغلق الباب لولا أن ظهر ماركو على عتبته جالساً على الأرض وقد تدلى لسانه فارتفع حاجبا سناء وقالت:
– هل تريد الدخول أنت أيضاً
أطلق نباحاً وهز ذيله بمرح فضحكت وقالت:
– ادخل..هناك طعام لك في المطبخ.
قادته للمطبخ وأخرجت من الثلاجة نصف دجاجة وضعتها على ورقة جريدة في ركن المطبخ وقالت:
– كل هنا ولا تبعثر الطعام.
تركته وخرجت لتجد الجميع جالسون مع بسام في الصالون وأم رباب تقول:
– لولا أني شاهدت الفيديو بنفسي ما صدقت..لقد كنت شجاعاً جداً يا بسام.
لم يرد خجلاً فقالت سناء:
– الأمر لا يستحق كل تلك الضجة.
قالت والد رباب:
– لكن كيف أقنعت كلاب الشوارع بالهجوم على الوغدان ؟ .. وكيف أقنعت ماركو ألا يفتك بكم؟
قالت والدته :
– بسام يحب الكلاب منذ صغره ويعتبرها أصدقاؤه.
ثم قالت لبسام وهي لا تخفى عليها نظراته لرباب :
– بسام اذهب مع رباب للمطبخ واهتم بماركو
قال في سعادة :
– أوامرك يا أمي.
كانت تبغي إبعاده عن حصار الأسئلة التي يوجهها له الوالدان فنهض يقود رباب للمطبخ وجلسا على كرسيان متلاصقان يشاهدان ماركو الذي أوشك على نسف الطعام.نظرت في عينيه وقالت:
– أشكرك على ما فعلته من أجلي.
شعر بأن الدم يحتشد في أذنيه ..ها هي ذي اللحظة التي كان ينتظرها طويلاً ..يمكنه أن يعطيها الخطاب الآن وما زال يحتفظ به في جيبه.
– أنا لم أفعل شيئاً
– هل حقاً تحب الكلاب؟
انتهى ماركو من طعامه وجلس يراقبهما فنهض بسام وتناول طبق بلاستيكى ناوله لها وقال:
– أنا أحب كل الحيوانات
وأشار للكلب
– إنه عطشان.
فتناولت الطبق ووضعته أرضاً فانكب عليه يشرب بنهم .
– كيف علمت أنه عطشان؟
– ستعرفين ما يشعر به إذا أحببتيه.
وداعب الظرف من فوق البنطال وتردد ..هل يعطيه لها الآن أم ينتظر؟
قالت وهي تبتسم:
– أمي اقترحت أن نقوم برحلة لحديقة الحيوان الجمعة القادمة ..ما رأيك؟
– إذا وافقت أمي فأنا لا أمانع.
جاءه صوت أمه تناديه فنهض قائلاً :
– تعالي لنرى ماذا تريد.
خرجا للصالون فقالت أمه:
– أم رباب تقترح رحلة لحديقة الحيوان يا بسام.
قرأت في عينيه رجاءً أن توافق وكانت تنوي الرفض لأنها تشعر بالخطر المجهول لكنها لا تحب أن يستلبسام:
– لقد وافقت على ألا يحدث شئ يا بسام وأنت تعلم ما أريد قوله فأومأ رأسه بفرح فقالت:
– حسناً ربنا يستر
وتركته ودخلت حجرتها أما هو فقدنظر للباب ووضع يده في جيبه وأخرج الظرف الملون وتأمله قائلاً:
– حتماً ستأتي فرصة أخرى.
ودخل غرفته لينام.
****************************
– لقد ضاعت هيبتنا في المنطقة يا حامد
لفظ بالعبارة الشاب الذي كان ممسكاً بالكلب لصديقه الذي نفث دخان سيجارته بعنف وقال:
– أقسم أن أسلخ جلده عن لحمه ..لقد فضحنا أمام العالم كله يا رضا.
أشعل رضا سيجارته بعصبية وقال:
– الناس تسخر منا بعد أن كانوا يقيمون لنا ألف حساب ..كل ذلك بسبب صبي .
قال حامد بغل:
– كيف لم يفتك به ماركو؟..وكيف حشد كلاب الشوارع ضدنا بهذه الطريقة؟
– لقد جمعت عنه بعض المعلومات .. توفي أباه صغيراً وهو في السادسة عشر من عمره الآن وصبي هادئ لا يحب المشاكل . والفتاة جارته من الواضح أنه يكن لها بعض المشاعر.
رد حامد :
– يجب أن نفعل شيئاً يرد لنا هيبتنا
– لا شك في ذلك ولن نتركه يفلت بفعلته.
فكر قليلاً وعاد يقول
– استمع لي ..لدي خطة
وبدأ يسرد عليه تفاصيل خطته..
خطة الانتقام.
**********************************
السادسة صباحاً .
خرج بسام من شقته حاملاً أدواته المدرسية وأغلق الباب خلفه وهبط الدرجات بروية .
وفي مدخل البيت فوجئ برباب تقف على بابه فتسائل عن سر وقفتها وماركو بجانبها:
– رباب .. لماذا تقفين هكذا؟
– انتظرك ..قلت أنه .. إحمممم..يمكننا أن نسير لآخر الشارع سوياً.
شعر بدقات قلبه تتسارع فهي المرة الأولي التي تنتظره ليغادرا معاً.
وبتلقائية تحسس الظرف خلف بنطاله فهو لا يفارقه أبداً عله يجد الفرصة فيعطيه لها..قال بلهفة:
– بالتأكيد هذا يسعدني.
وسارا وسار بجانبهما ماركو فقالت:
– غداً الجمعة موعد الرحلة
قال مقاوماً رغبة عارمة في أن يمسك يدها:
– أنا مستعد وأمي تصنع الأطعمة من اليوم.
– هل تعلم أفضل شئ أحب مشاهدته في حديقة الحيوان.؟
قال مراقباً الشارع الذي بدأ ينتهي ..الشارع كان أطول من ذلك فكيف قصر هكذا فجأة. خيل له أن اللحظات معها تمضي وتحترق بسرعة غير عادية .
– الأسود.
شعرت بالامتعاض وقالت:
– أسود!..
توتر لشعوره بأنه أخطأ في التخمين فصرخ في عقله ( ليس هذا هو وقت الاستنتاجات الخاطئة يا أحمق .. ركز ..وإلا فقدتها ). فأكملت قائلة:
– قفص العصافير…
هناك قفص كبير يحوى أنواعاً من العصافير الملونة فأنا أحب العصافير جداً.
وصلا لنهاية الشارع فقال :
– يجب أن نفترق فمدرستك طريقها عكس طريق مدرستي.
لوحت بكفها وهي تقول:
– سلام .. نتقابل غداً في الحديقة.
راقبها وهي تبتعد وخلفها ماركو .. تذكر الظرف ز
– يا لي من أحمق ..كيف لفتاة رقيقة مثلها تحب الأسود.
وأخرج الظرف وقال:
– حتماً ستاتي فرصة أخرى.
وتوجه لمدرسته.
******************
الخامسة مساء.
جلس بسام في غرفته ينظر للكتاب المفتوح أمامه في شرود .. في كل صفحة لا يرى سوى وجهها .
ظل يحلم بعينيها الخضراوين .يريد أن يراها فنهض وفتح نافذة غرفته فهي تسكن أسفله تماماً فنظر من النافذة فرأى عصفور بري يقف على جدار البيت المقابل فنظر له وفرد كفه أمامه فطار العصفور ووقف على يده وهو يحرك رأسه وأطلق تغريدة فأخرج الظرف الملون وربطه في رقبته برفق وقال :
– إعطه لها وإن لم تجدها في غرفتها فعد به إلي .
وداعب رأسه بإصبعه فطار العصفور ووقف على حافة النافذة أسفله فجلس بسام جالساً خلف مكتبه الصغير وهو يغمغم:
– حان الوقت لإستغل قدراتي.
لم تمضى دقائق حتى عاد العصفور..دخل من النافذة وحلق في سقف الغرفة ثم وقف على المكتب والظرف كما هو مربوطاً في رقبته فقال:
– ألم تجدها في غرفتها؟
وحل الظرف ووضعه على المكتب ونظر في عين العصفور وانعقد حاجبيه بقلق شديد..
فما نقله عقل العصفور له خطير..
خطير للغاية.
****************************
اندفع بسام خارج غرفته ليجد أمه واقفة على باب الشقة بجوار زوجها والقلق محفور على ملامح الجميع.
كان يعلم ما سيقال مسبقاً فقد علمه من العصفور منذ قليل.
– بسام إجلس في الصالون فهناك أمر هام سنتحدث بشأنه فوالد رباب يريدك.
دخلوا جميعاً وجلسوا في الصالون فقال والد رباب بتوتر وعصبية:
– رباب اختطفت .
والدة رباب تبكي بشدة وقالت:
– الوغدان صاحبا الكلب اختتطفاها.
عقب والد رباب:
– لقد اتصلا بي وطبعاً أخذا الرقم من رباب وهدداني إذا أبلغت الشرطة سيقتلونها وشرطهما أن تذهب إليهما وحدك الى مكان سيحددانه لاحقاً.
نظر بسام لوالدته التي جلست بجانب أم رباب تواسيها وقالت:
– أرى أن نبلغ الشرطة
رد والد رباب :
– أنت لم تسمعي اللهجة التي هدداني بها .. لهجة من لم يعد لديه شئ يخسره.
قال بسام والغضب يعتلي وجهه:
– لا تخف يا عماه فلن يمساها بسوء وأنا حي .
نظرت له والدته وعقلها يطير ..ها هو الخطر التي كانت تنتظره .
خطر يهدد ابنها وجارته . أخرجها من تفكيرها رنيت هاتف والد رباب .
– ألو..
صوت حامد يقول:
– هل بسام عند
قال بصوت متوتر:
– هو أمامي .. أرجوك لا تؤذى ابنتي
– إعطه الهاتف .
مد يده بالهاتف لبسام الذي التقطه ووضعه على أذنه فجاءه صوت حامد:
– إذا أخبرت أحداً بما سأقوله لك فلن ترا الشقراء صديقتك ثانية.
وتعالت ضحاكته شامته وأكمل:
– أريدك وحدك..هناك مدرسة قديمة آخر الحي فهل تعرفها؟
إنها متهدمة تحت الصيانة ..أتعرفها أم لا فليست بعيدة عن بيتك ..قرابة نصف ساعة مشي.
قال بسام بغضب:
– أعرفها.
– قابلنا هناك ..تذكر إذا أخبرت أحداً ستفقد حبيبة القلب للأبد.
وانغلق الخط مصحوباً بضحكات حامد فقالت والدة بسام:
– ماذا قالا لك؟
نهض وناول الهاتف لوالد رباب وقال:
– لا أستطيع أن أخبر أحداً.ز
صاحت بلوعة:
– بسام ..ماذا قلت لك سابقاً؟
قال والغضب يملاء ملامحه:
– سيؤذيانها إذا أخبرتكم .. سأذهب ولن أخبرك .. سامحيني يا أمي.
وعدا تجاه باب الشقة فنهضت تعدو خلفه فوقف خارج عتبة الباب ومد كفه للأمام إشارة لها بالتوقف فوقفت على الباب :
– اطمئني لن يستطيعا أذيتي أبداً
وفي لمح البصر خيل لها أن حائطاً أسود يتكون بينها وبينه .
حائط من النمل.
تواصل بسام مع النمل السائر على الجدران فصنع حائلاً بينها وبينه . ونظر لها قليلاً ثم جرى هابطاً السلالم بسرعة وغضب.
سالت دمعة حزينة من عينيها وهي تغمغم:
– بسام.. إحفظه يا إلهي.
وبكت بشدة وخوف
********************************
تأمل المبنى المتهدم.
لم يتهدم بالكامل ..السور الخارجي أكثره قد زال والمباني شبه قائمة مع أكوام من الحجارة في كل مكان.
ما زال هناك فصول وغرف سليمة باقية . يحتاج فقط لمعرفة مكانها بدقة ز فمن سوء حظهما أن الليل حل فمخلوقات الليل أكثر انتشارات من مخلوقات النهار وأشد فتكاً.
عبر السور المتهدم وسار قليلاً ثم جلس بنصف ركبته على الأرض ومد يده لأمام نحو كومة من الحجارة. وفي ثواني اندفع من وسط الحجارة ثلاثة فئران ووقفوا أمامه فمد يده يربت على رؤسهم وفي عقولهم تلقوا أمراً واحدا ..البحث عن رباب.
انطلقت الفئران بسرعتها التي لا تصدق وابتلعهم الظلام.
ظل مكانه ينظر للمباني عله أن يلمح ضوء أو أي شئ يدل على مكان الوغدين ..
وعاد فأر.
ووقف أمام بسام الذي داعب شعره فتشمم الهواء بأنفه وشاهد من خلال عقله فقال:
– قدني إليها.
وسار خلفه بحذر حتي وصل الى غرفة تهدم حائطان منها ..وفي الركن كانت ملقاة مقيدة ومكممة الفم وماركو مربوط بسلسلة مثبتة في الحائط على يمينها وكمامة قوية تحيط بفمه كي تمنعه من العض.
جذب ماركوا السلسلة في محاولات مستميته لنزعها من الحائط وهو يصدر زمجرات مصحوبة بأنين يدل على الغضب والعجز.
– أقسم أن يدفعا الثمن.
نطقها بغضب شديد وهو يندفع نحو رباب التي ما إن رأته حتى هزت رأسها بقوة يميناً ويساراً وهي تصدر همهمات قوية فانحنى عليها قائلاً:
– رباب .. لا تخافي لقد ..
ولم يكمل عبارته ..ففي جزء من الثانية انقلبت الدنيا وشعر أنه يطير في الهواء فعلم أنه وقع في فخ كالغر الساذج. وتدلى من قدمه بحبل ليرى من وضعه المقلوب حامد ورضا وهما يقتربان منه .
ماركو زادت حدته وشرع يجذب السلسلة بقوة وعنف شرس.
– انظر من وقع في الفخ.. هل تذكره يا حامد.
قال حامد بشماتة:
– انتظر قليلاً ..آه .. نعم اذكره..إنه الطفل الذي ظن نفسه بطلاً وتحدانا منذ أيام.
تدلى بسام من الحبل ورأسه لأسفل والدم يحتشد في رأسه.
– يالسخرية القدر يا حامد..لقد سار تحت رحمتنا ..ترى ماذا سنفعل به؟
وجذبه رضا من أنفه بقسوة وماركو يجاهد قيده بشراسه فصاح رضا:
– إهدأ يا ماركو ..سيكون لنا حساب معك بعد قليل أيها الخائن
قال بسام بصوت غاضب:
– أنصحكما بالانصراف وإلا ستدفعان الثمن غالياً.
قال رضا وهو يضحك بسخرية:
– ماذا ؟ .. إنه يهددنا .. إنه لا يعلم اننا سنسلخه حياً يا حامد ثم نفوز بحبيبته الشقراء.
رد حامد وهو يثبت كاميرا بين الطوب المتهدم في ركن الغرفة:
– طبعاً بعد أن يرى العالم كله ما سنفعله به.
صاح بسام والدم يكاد يغشي بصره:
– إذا مسستما شعرة من رأسها ستتمنيان أنكما لم توجدا في الدنيا.
دار رضا حوله وهو يقول:
– غريب أمرك يا فتى .. أتهددنا وأنت في هذا الوضع؟ .. إما أنك شجاعاً أو أحمقاً.
وجذب رباب وجرها على الأرض ووضعها في نصف الغرفة وبسام يحاول التملص ونظر في عين ماركو الذي هاج بشدة وزادت محاولاته في جدذب السلسلة بجنون.
– حتى لو تخلص من قيده فلن يقدم لك العون فالكلب خطورته تكمن في أنيابه وقد أحطناها بكمامة قوية.
أشار حامد لرضا قائلاً:
– هل نبدأ الحفل؟
أومأ رضا برأسه فضغط حامد زر التسجيل في الكاميرا..وتوجه رضا لبسام وقيد يديه خلف ظهره بحبل ثم جذب طرف الحبل المعلق به من قدمه فهوى على الأرض بعنف وأطلق آهة ألم ..
جذبه حامد من قفاه وأوقفه قائلاً:
– الآن حان وقت رد الإهانة.
وصفعه صفعة هائلة ألقت به جانباً ليصطدم بماركو الذي هاج وأخذ يتقافز في محاولة لحماية بسام.
أخرج حامد مطواة من جيبه وفتحها .
– سأسلخ جلدك من لحمك.
وفجأة انخلعت السلسلة وتحرر ماركو وهجم على حامد بقوة وهو يضربه بمخالبه في صدره وزمجراته تتعالى في وحشية .. لكن هيهات .
فالكلب بدون أنيابه كالجندي بلا سلاح وسط الأعداء.
سقط حامد على ظهره وارتطم بالأرض في عنف وماركو يجثم على صدره .ز
ولأنه سفاح .. ولا يقيم للحياة وزناً .زطعنه في بطنه طعنة قوية وهو يصرخ:
– أنت أردت هذا يا ماركو.
وصدرت من حنجرة ماركو صرخات الألم والأنين وسالت الدموع من عين رباب وصرخ بسام:
– لااااااااااا
ونهض واقفاً على قدميه وحامد يلقى من فوقه جسد ماركو الذي انقلب على جانبه وقوائمة تضرب الهواء بألم .
– أيها القاتل اللعين ..سانتقم منك وستدفع الثمن ولن تجد في الأرض مكانا تختبئ فيه منى.
وامتلاءت الحجرة بالفئان وحامد ورضا ورباب ينظرون للمشهد في فزع ..وعلا صوت الفئران في المكان ورباب ترى من وضعها الأرض وكأنها تمشي .
هجمت الفئان على حامد ورضا بشراسة فأخذا يطلقان صرخات رعب هائلة وخمشات الفئران تمزق لحمهما بقوة .
ركع بسام على الأرض وترك فأراً يمزق قيده وبفور تحرره وجد حامد ينهض متناولاً مطواته وألقى بنفسه على رباب وهو يصيح:
– سأذبحها .. أقسم أن أفعل لو لم توقف هذا الهجوم.
وتوقفت الفئران عن الهجوم وأخذت تموج بعضها ببعض في انتظار أوامر بسام بالهجوم ثانية.
تأوه رضا والدماء تغرقه وقال :
– كنت أشك في ذلك..أنت تتحكم في الحيوانات .
تقدم بسام منهما وقال:
– اترك رباب.
وضع حامد النصل على رقبتها وشدده قائلاً:
– إنها تذكرتي في النجاة ..أترك رضا يقيدك وإلا ذبحتها.
ضاقت عينا بسام ..فرباب هى نقطة ضعفه الوحيدة والفئران تحيط بالجميع .
بحث بسام في عقله عن حل .
– قيده يا رضا وغم عينيه .
قالها حامد من وسط دماءه وهو يداعب عنق رباب بمطواته الحادة ..
رباب التي نظرت لبسام بعينين دامعتين رأى فيهما الكثير من الخوف واليأس.. وركع بسام على الأرض وقال وهو يمد يده لفأر أجرب:
– لا تخافي يا رباب .. لقد وعدتك أن يدفعوا الثمن.
وعلى كفه وقف مخلوق ضئيل من مخلوقات الله. مخلوق برغم حجمه الصغير جداً أعطاه الله قدرات رهيبة.
وشعر حامد أن جسده يشتعل والمطواة تسقط من يده وهو يصرخ متخبطاً بلا هدى وسقط على الأرض يتلوى ورضا يصيح:
– ماذا حدث يا حامد؟
وانطلقت صرخات حامد لتوقظ الموتى وبسام يقول وهو ينظر له في صرامة:
– ادفع ثمن آثامك أيها الوغد .
ورأى رضا جسد حامد يدفن تحت شئ ما أسود غلفه تماماً.دقق النظر وقال:
– براغيث..؟..ونظر الى بسام وأكمل :
– – لقد سلطت عليه البراغيث..أنت لست بشراً..أنت شيطان .. شيطان.
واندفع نحوه هاجماً عليه لكن حالت بينهما الفئران ..
وعملت الأنياب والمخالب لتعلوا صرخات رضا وسار بسام نحو رباب وجذب كمامتها فتنفست .
فك قيدها وهو راكع على الأرض فاتكأت على ركبتيها وألقت نفسها تحتضنه وهي تبكي بشدة .
تسارعت دقات قلبه .. وفي ظل هذا الموقف جال بخاطره إعطاءها الظرف الملون لكنه تذكر أنه تركه على مكتبه .
ربت على ظهرها قائلاً:
– إهدئي ولا تخافي .ز
وأنهضها ثم توجه لماركو الذي همدت حركته وأنينه يخفت ومد يده على رأسه .
– أهو حي؟
رد بسام:
– هناك أمل إذا أسرعنا .
ونظر لحامد الذي استكان جسده تحت أكوام البراغيث ولرضا التي فتكت به الفئران وقال:
– لقد استحقا ذلك ..
وبتلقائية مد كفه ليمسك كفها..شعرت من خلال مسكته بالأمان .
لكن في غمرة تلك الأحداث نسى شئ في غاية الأهمية وهو يغادر مع رباب المكان..
نسى الكاميرا التي سجلت كل ما حدث.
************************
الطعنة مزقت معدته من الداخل ويحتاج لعملية عاجلة لكن لا أضمن النتائج ..
قالها الطبيب البيطري وهو ينزع قفازيه الرقيقين ويلقيهما في سلة القمامة و بسام ووالدته يقفان حول جسد ماركو الممدد علي طاولة عالية محاولاً التقاط انفاسه فقال بسام :
– أرجوك يا دكتور حاول انقاذه ..
ونظر الي أمه التي قالت للطبيب :
– لا تدخر جهداً في إنقاذه .. لقد أنقذ ابني وأبسط شئ هو أن نحاول أن نمنحه الحياة .
قال الطبيب:
– ستتكلف مالاً كثيراً .. هذا النوع من العمليات ليس سهلاً و ليس مضمون النتائج .
قالت و هي تربت علي رأس ماركو:
– المال لا يهم .. المهم إنقاذ حياته .
نظر بسام لها و احتضنها في حنان :
– أشكرك يا امي .. أشكرك..
ضمته إليها في قوة..
فبرغم أن ابنها ورباب عادا سالمين إلا أنها مازلت تشعر بالخطر ..
وهي واثقة أن قلب الأم لا يخطئ أبداً ..
أبدا..
***********************************************
– إنهما في العناية المركزة ..
ألقى والد رباب العبارة وهو جالس مع زوجته وابنته بصحبه بسام ووالدته .. فقال بسام :
– وماركو نجا من الطعنة..
قالت والدة بسام:
– اتصالك بالشرطة عجل بإنقاذهما .. لو بقيا حتي الصباح لماتا.
قال والد رباب :
– كنت اتمني لو ماتا ليرتاح الناس من شرهما .. لكن فعلت ما أملاه علي ضميري ..
ثم نظر في ساعته و قال لزوجته:
– باقي ساعتان علي صلاة الجمعة .. هيا يا حاجة .
و نهضوا فقالت والدة بسام:
– لكن كيف هاجمتهم الفئران و البراغيث دون أن تمسكما بسوء ..
نظر بسام لرباب و قال :
– إراده الله يا حاجة .. عندما وصلت وجدتهما هكذا .. فحررت رباب و عدنا.
كان قد اتفق مع رباب ألا تخبر أحدا بما حدث فلولا تلك الواقعة ما اكتشفت موهبته أبداً..
فقالت والده بسام :
– الحمدلله أنهما بخير وأعادهما سالمين .
و غادروا متوجهين لشقتهم وعلي الباب وقفت رباب و نظرت لبسام و قالت:
– أشكرك .. لقد أنقذت حياتي.
أومأ برأسه ولم يرد .. فلحقت بوالديها وهو يتابعها بنظره ..
ثم وضع يده علي جيب بنطاله و تذكر الظرف المشئوم .. إنه مازال علي المكتب ..
حتماً ستأتي فرصة أخرى.
*******************************************************
مضى يومان ..
ونهضت والدة بسام تجهز الإفطار و تحضر وجبات المدرسة .. و طرقت باب غرفة بسام :
– بسام .. استيقظ موعد المدرسة .
أتاها صوته من الداخل :
– أنا مستيقظ يا أمي ..
– سأجهز الإفطار حتي ترتدي ملابسك ..
وتوجهت للمطبخ لتنهي عملها اليومي المقدس و في الداخل كان بسام مستيقظاً قبلها بالفعل و جهز حقيبته و تناول الظرف الملون ووضعه في جيبه الخلفي .. كان يريد اللحاق برباب ليسيرا لأول الشارع قبل أن يفترقا ..
و خرج من غرفته نشيطاً و توجه للمطبخ جلس علي مائدة الإفطار ووالدته تتعجب من نشاطه و حماسته الزائدة فقالت:
– أشم رائحة شيء ما ..
قال وهو يتشمم الهواء :
– لا يوجد أي رائحة..
قالت و هي تنظر اليه:
– الحب له رائحة .. لكنها لا تشم بالأنف ..
إحمر وجهه وتلعثم :
– حب ماذا .. احم..اه..اممممم…
ضحكت و مدت يدها تداعب أنفه :
– خذ الخذر يا بسام .. فصدمات حب المراهقة نتائجها خطيرة.. وتؤدي الي أمراض نفسية خطيرة..
لم يجول بخاطره وارد الصدمات تلك لذا ابتسم في حرج فتناولت كيس بلاستيكي ووضعت داخله الساندوتشات ووضعتها في حقيبتة و قالت :
– هيا حتي لا تتأخر علي مدرستك..
نهض و تناول حقيبتة و طبع قبله علي خد أمه وغادر الشقة..
وبدأت بتنظيف المكان .. فتناهى الي مسامعها صوت رنين هاتفها المحمول ..
توجهت الي غرفتها وهي تتسائل عن هوية المتصل في هذا التوقيت .. إنها السادسة صباحا..
نظرت للشاشة فوجدت رقم لا تعرفه فأجابت :
– الو .. من معي .
لم تتلقى رداً .. فقط صوت أنفاس قوية فقالت :
– أنت من هواة المعاكسات إذاً..
– لم تتلقى جواباً هذه المرة ايضاً فهمت بإغلاق الهاتف لولا إنها سمعت جملة واحدة:
– الويل لكم..
ثم أغلق الخط ..
لم تستوعب ما حدث .. هذا ليس أسلوب العاكسات أبداً.. راح عقلها و جاء حتى تلقى هاتفها رنين الرسائل .. نظرت للشاشة فوجدت رسالة علي تطبيق الواتس أب من نفس الرقم حامله رابط لفيديو علي موقع اليوتيوب الشهير ..
فضغطت عليه لتنتقل الشاشة إليه ..
وبدأ العرض ..
واتسعت عيناها رعباً…
فما نقلته الشاشة كان مخيفاً ..
مخيفاً للغاية ..
********************************************
وجدها واقفة على باب البناية ..
فهبط الدرجات الباقية بسرعة وقال :
– صباح الخير …
ردت والابتسامة تعلو وجهها :
– صباح الخير ..
وغادرا سائرا فقالت سائلة :
– كيف تتواصل مع المخلوقات يا بسام ..
قال وهو يراقب الشارع الذي ينتهي سريعاً :
– إنها عبارة عن أحاسيس .. أسمع صوتها فى عقلي وأنقل إليها أفكاري .. وفى الفترة الأخيرة بدأت أتحكم فى مشاعرها كما فعلت بماركو …
قالت وهى تشير لعصفور واقف على شجرة قائمة على الرصيف :
– هل تستطيع أن تجعل هذا العصفور يقف على يدي .
ابتسم ونظر للعصفور الذي طار سريعاً ودار حولهما وهو يغرد بسعادة وحط على كتفها وانتقل الى كفها الذى فردته وهى تضحك غير مصدقة .
– أتدرين فيما يفكر …
قالت وهى تداعبه بإصبعها :
– كلا …
قال وهو يراقب قمة الشارع التي اقتربت :
– يريدك أن تعطيه ماء ….
توقفت ووضعت العصفور على كتفها وأخرجت زمزمية الماء من حقيبتها ووضعت الماء على كفها فقفز العصفور وأخذ يشرب وهى تنظر له غير مصدقة .. وفرغ من شرابه فأطلق تغريدة وطار مبتعداً فقالت :
– قدرتك هذه مدهشة ..
سره قولها .. لقد أعجبت بقدراته .. فقال متحسراً :
– لقد وصلنا للنهاية .. يجب أن نفترق .
قالت وهى تثبت حقيبتها على ظهرها ..
– سمعت أمى تذكر رحلة حديقة الحيوان ثانية ..على الأرجح سنذهب الجمعة القادمة .
قال وهو يداعب الظرف فى جيبه :
– لم أسمع من أمى شيئاً عن هذا ..
– حسناُ .. سأخبرك إذا علمت شيئاُ .
واستدارت سائرة فى اتجاه مدرستها .. ووقف قليلاً يراقبها وهى تبتعد .. وداعب الظرف فى جيبه .ثم انصرف فى الإتجاه المعاكس .
ومن بعيد كانت هناك عينان تراقبهما ..
عينان تحملان كل الحقد …
والشر .
*****************************************
طار صوابها ….
الفيديو نقل المعركة بين بسام والوغدين .. صحيح أن الإضاءة كانت ضعيفة .. إلا أن التفاصيل واضحة ولن يحار أحد بأن ابنها يتحكم فى المخلوقات .. هاهو الخطر الذى توقعته يأتي أخيراً ….
لكن من صاحب الرقم الذي توعدها وابنها بالويل.
أكيد ذو صلة بالوغدان..
فكرت في الهرب بابنها الى جهة بعيدةفهذا هو الحل ويجب أن تبيع الشقة وتختفي تماماً لكن أولاً سترحل قبل أن يحدث شئ غير متوقع .
خرجت من تفكيرها بسبب رنين ا لرسائل فنظرت لتجد رسالة أرسلها صاحب الرقم مكتوب فيها كلمة واحده جعلت شعرها رأسها ينتصب.
– سأنتقم
**********************
شعر بسام بوجود شئ ما مختلف..
فمنذ لحظة دخوله من باب المدرسة والجميع يتحاشاه ولم يفته أن يلمح تلميحاتهم عنه خفية .
جلس في فصله يحاول استيعاب ما يحث فانتبه على صوت أحد المدرسين :
– بسام ..المدير يريدك في مكتبه.
تولد لديه شعور ما بأن الأمر ليس على ما يرام ..
طرق باب حجرة مكتب المدير فجاءه صوته:
– ادخل يا بسام واغلق الباب خلفك.
دخل فوجد رجلاً جالساً يرتدي بذة سوداء أنيقة فقال المدير:
– بسام .. إجلس.
جلس بحذر أمام الرجل
– هذا العقيد مروان ..وقد جاء خصيصاً من أجلك.
ابتسم مروان ببرود في وجهه وخيل لبسام أن هذا الوجه رآه من قبل.
– انظر لهذا.
قال مروان العبارة وهو يناوله هاتفه فتناوله بحذر ليجد الهاتف يعرض الفيديو الموضح لمعركته مع حامد ورضا بالتفصيل.
تذكر الكاميرا فصرخ بداخله
– يالغبائي .. كيف نسيتها.
لكن من نشر هذا الفيديو ؟
أكيد وجد أحد العمال الكاميرا صباحاً فنشر الفيديو راغباً في المشاهدات .
قال مروان :
– لقد تابعنا حالة حامد ورضا وهما في خطر شديد وهذه جريمة يا بسام .
– أنا لم أفعل شيئاً فقد اختطفوا جارتي وهاجموني ففوجئت بالفئران والحشرات تفتك بهما.
تراجع مروان بظهره وابتسم قائلاً:
– فوجئت؟ … هجمت الفئران والبراغيث عليهما وتركتك مع الفتاة سالمين.
لم يرد وفكر في أي كذبة فلم يجد فعاجله مكملاً:
– عموماً نحن لا نتهمك بشئ ..نريد فقط أن تصحبني لتحرير محضر بالواقعة ثم تعود لبيتك فأنت المجني عليه يا بسم.
قال المدير :
– لا تخف يا بسام فمروان بك لن يؤذيك
أكد مروان على كلامه :
– يجب أن يدفعا ثمن جرائمهما عندما يشفيان.
نظر بسام له في صمت .زناقوس الخطر يدق في رأسه فنهض مروان واقفاً فبدا كعملاق أمام بسام فتهض واقفاً فقال مروان للمدير:
– شكراً لتعاونك يا سيادة المدير
صافحه المدير وقال:
– نحن في خدمة العدالة يا مروان بك.
وغادرا المكتب قاصدان البوابة وبسام ينظر لقط خارجها يتسول الشوارع ثم انحنى وربت على ظهره ورأسه فماء القط ونظر له مروان فقال :
– إنه جائع.
وأخرج قطعة بسكويت من جيبه وأعطاها له وهو ينظر في عينه وأكمل مسيرته وركب السيارة مع مروان؟
لكن قلبه كان يتسارع دقاته بشده ..
فهو غير مستريح لهذا الرجل على الإطلاق.
**************************************
غادرت السيارة الطريق الصحراوي بقليل ثم انحرفت في طريق جانبي يحفه النخيل من الجانبين و بسام يشاهد من النافذة فتسائل :
– الى أين نحن ذاهبان؟ .. أهذا الطريق يؤدي الى قسم الشرطة..
قال مروان دون أن يبعد عيناه عن الطريق :
– سنشرب شيئاً في بيتي أولاً ثم نذهب ..
ولاحت فيلا كبيرة علي يمين الطريق دخلها مروان بسيارته و قال لبسام :
– انزل .. لن نتأخر ..
نزل بسام و عقله لا يهدأ فهو لا يرتاح لهذا الرجل ..
وفور إغلاقه باب السيارة فوجيء بأن الظلام حل فجأة .. ووجد من يقيد حركته بقوة من الخلف ووضع كيس أسود في رأسه فلم يعد يرى شيئاً .. قاوم باستماتة بلا جدوى ..
– خذه الى الغرفة .. حتي نأتي بأمه ..
صرخ بصوت ملتاع :
– أمي .. ماذا ستفعل بأمي .. لماذا تفعل ذلك ..
لم يأتيه جواباً .
ووجد نفسه محمولاً الى الغرفة ..
و يالها من غرفة
************************
استلقى بسام على الأرض الصلبة ..
استلقى مقيد المعصمين خلف ظهره ورأسه مغطى بكيس أسود سميك لا يرى من خلاله شيئاً ..
كان يلوم نفسه أنه وقع بهذه السهولة في الفخ .
لكن من يكون هذا الرجل ؟
بألتاكيد قريب لحامد و رضا و يريد الانتقام ..
إنه يكتسب أعداء في كل خطوة يخطوها ..
انتبهت حواسه علي باب الغرفة يفتح و صوت خطوات تدلف اليها ..
– بسام .. ماذا فعلوا بك ؟
ميز صرخة أمه الملتاعة من وسط دموعها فاعتدل جالساً و هو يصيح :
– أمي ..
كان يسمع صوت آخرين حول أمه و أيقن أنهم يقيدونها مثله تماماً .. وميز صوت مروان :
– نحن لم نفعل به شيئاً بعد ..
وانزاح الكيس الأسود عن رأسه فجأة ليقع بصره على أمه مقيدة على كرسي في منتصف الغرفة بإحكام ..
الغرفة بيضاء ناصعة وكأنها أعدت خصيصاً له .. غرفة بلا أساس بلا نوافذ لا يوجد سواه و أمه و المحتال مروان ورجل بجانبه يرتدي جلباباً و حول رقبته كوفية غليظة ..
قال مروان:
– هذه الغرفة لا يوجد بها حشرة واحدة أو مخلوق سوانا يمكنك استغلاله لتفلت من المصير الذي أعددته لك ..
قال بسام بغضب :
– من أنت ..
ثم صاح
– إذا مسست أمي بسوء أقسم ألا يختلف مصيرك عن مصير أقاربك ..
قال مروان وقد بدا كشيطان في عين بسام :
– ومن أقاربي هؤلاء..
قال وهو ينظر لأمه التي ملئت الدموع وجنتيها :
– الوغدان حامد و رضا ..
ضحك مروان .. وضحك وضحك ..
– ليس لي علاقة بهما .. وإن كانا لهما الفضل في كشفي إياك و أنك المسؤل عما حدث لإبني و صاحبية .. لقد كان الأمر محيراً بالنسبة لي سنوات حتى وقع بصري على الفيديو الخاص بالكلاب .. هنا بدأت أشك .. و فوجئت بعدها بفيديو آخر يصف معركتك معهما و طريقة تحكمك في المخلوقات .. قل لي يا فتى .. كيف تفعل ذلك ..
كان كلامه محيراً لبسام .. وفتش في رأسه عن من يكون هذا الرجل .. صاحت والدته :
– أرجوك لا تؤذنا ف نحن لم نفعل لك شيئاً ..
نظر لها مروان قائلاً :
– بل فعل ابنك يا سيدتي .. لقد حطم آمالي كلها .
لم تفهم عبارته ..
ومن الباب دخل ولد في عمر بسام ..
وما إن وقعت عليه عينا بسام حتي اتسعتا بشدة فقد عرفه وعرف لماذا يفعل مروان ذلك ؟.
وبتلقائية صاح :
– صبحي..!؟
وقف صبحي بوجهه المشوه وملامحه البشعة ينظر له بكراهية.
أما والدة بسام فقد انتفض قلبها لمرآه .. كان بشعاً بحق و إن كانت تلمح على وجهه إمارات الكراهية و الغل ..
– انظري الى إبني جيداً .. لقد سلط عليه إبنك الذباب و حوله الى مخلوق مشوه. لقد دمر حياته مستقبله للأبد.
وتذكرت حادثة المدرسة والعصفور.
– يجب أن يدفع ابنك ثمن ما فعل ..
صاح بسام :
– بل ابنك استحق ما حدث له .. لقد قتل عصفور جريح و اعتدى علي مع سفاحين آخرين استحقا مصريهما .. ولو عاد الزمن بنا لفعلت بهم أكثر من ذلك .
قال مروان و هو يتناول زجاجة متوسطة الحجم من الرجل ذو الجلباب ..
– لذلك سأقتص لابني منك ..
وأشار الي الزجاجة وأكمل :
– هذه زجاجة حمض ستشوه وجهك الوسيم هذا .. سأحوله الى قطعة عجين بلا ملامح ..
وتقدم مروان من بسام و صرخت أمه في لوعة و صبحي ينظر له نظرات متشفية .. وانعقد حاجبا بسام بشدة ..
فالخطر أصبح علي بعد خطوات ..
ونظر في عين مروان ..
ورأى فيهما كل الحقد و الكراهية و الرغبة في الانتقام.
و تلفت بسام حوله في محاولة لاكتشاف أي مخرج ..
لكن هيهات ..
كانت الغرفة نظيفة ..
نظيفة الى حد غير مسبوق ..
*********************************
صاح بسام :
– هل تظن أنك أحكمت نظافة الغرفة تماماً من المخلوقات ..
توقف مروان أمامه و قال :
– هل تشم هذه الرائحة ..
تشمم بسام الجو ولاحظ وجود رائحة مبيد حشري قوي فتابع مروان :
– أية حشرة ستدخل الغرفة ستموت من فور دخولها ..
قال بسام :
– لكن ابنك السفاح دخل من الباب و تركه مفتوحاً ..
نظر مروان للباب فأكمل بسام :
– و المبيدات الحشرية لا تقتل القطط ..
واتسعت عينا مروان في رعب وهو يرى قط واقف علي الباب ينظر اليهم .. كان منظره ليس غريباً عليه ، ثم تذكر أين رآه ..
– لم أكن أثق بك من البداية .. لذلك أقمت خط دفاع احتياطي و أعطيت أمراً للقط المتسول أمام المدرسة أن يختفي داخل السيارة فتشبث أسفلها .
– وفي لحظة بدأ الرعب ..
اندفع من خلف القط عشرات القطط داخل الغرفة .. وعلا المواء و الفحيح .. وانقضت الأنياب و المخالب و هجم قطتان علي مروان فسقطت زجاجة الحمض من يده لتنكسر على الأرض و يتناثر الحمض حولها .. وعلا الصراخ ووالدة بسام لا تصدق ما يحدث.
و في غمرة الأحداث أخرج الرجل ذو الجلباب مسدساً من طيات ثيابه .. وأخذ يطلق النار علي القطط بشكل عشوائي .. فنظر بسام للقطط و صدر من عقله أمراً صارماً .. فهجم الأكثرية عليه و عضوا يده التي تمسك السلاح ..
و انطلقت رصاصه أخيرة قبل أن يفلت المسدس من يده ويرتطم بالأرض ..
و انطلقت صرخة ألم ..
وانخلع قلب بسام و هو يري أمه ترتد للوراء وتسقط بالكرسي المقيدة به علي الأرض و الدماء تتناثر حولها .
– أمي ..
صرخ بلوعة و بخوف.
وانقضت قطة علي الحبال التي تقيد يده و لتمزقها وقد أصابها الجنون أثناء محاولتها .. فأنياب القطط ليست كأنياب الفئران القارضة .. إلا انها نجحت ليتحرر ويندفع بسام نحو أمه وهو يرى مروان يندفع خارج الغرفه و القطط تطارده بإصرار .. و ابنه السفاح ملقى علي الأرض فاقد الوعي هو و الرجل ذو الجلباب .. كانت الدماء تلوث صدر أمه فأسرع بحل وثاقها و أخد يتفحصها والدموع تنهمر من عينيه ..
– أمي .. أمي .. لن أغفر له .. سأقتله كما قتلك يا أمي
و طوح بالكرسي بعيداً و انحني يحاول إيقاف الدم ..
لم تكن لديه خبرة بالأمور الطبية .. لكنه نزع قميصه ووضعه على صدرها ..
و نهض ينظر للباب وقد تحجرت الدموع في مقلتيه و خرج من الباب ليجد نفسه أمام الفيلا و الشفق يصبغ السماء باللون الأحمر استعداداً لاستقبال الليل ..
ووقف بسام في مواجهة الفيلا التي يختبئ داخلها مروان .. ورفع يديه ببطء وهو ينظر للسماء .. وفوق الفيلا بدأت سحابة من الغربان اصطبغ سوادها باللون الأحمر المميز للشفق .
كانت تزداد و تتعاظم حتى غطت الفيلا بالكامل من أعلى.
وركع بسام على الأرض ووضع يديه عليها .. و من الارض وحول النخيل و المزروعات حول الفيلا انطلقت المخلوقات خارجة من جحورها ..
أفاعي و زواحف و عقارب … كان من يرى المشهد يهيأ له أن الأرض تفور و المخلوقات تندفع نحوها من كل صوب في شبه دائره تضيق و تضيق.
وانطلق أمر واحد من عقل بسام مصحوباً بصوره تلقاها عقل كل مخلوق تحكم به.
صورة مروان .. مصحوبة بإحساس واحد ..
الغضب ..
ومن نافذة تَطُل علي الساحة رأي مروان بسام .. و اتسعت عيناه رعباً وهو يرى الزواحف تنقض علي الفيلا و غمغم في ذهول :
– مستحيل .. إنه شيطان .
وفي عقله عزم علي أمر واحد ..
يجب أن يخلص العالم من هذا الشيطان ..
يجب ان يقتل بسام حتى لو كان هذا آخر ما سيفعله في حياتة …
***********************************
اخترقت الزواحف الفيلا من كل مكان ..
تحت الأبواب و من النوافذ الغير محكمة الإغلاق و من كل شق عبرت داخلها وانتشرت وهي تبحث عن مروان ..
وسار بسام نحو نافذة مفتوحة و عبر منها داخل الفيلا وزحف ثعبان ليستقر فوق كتفه و هو يتلفت يميناً و يساراً مصدراً فحيحاً مخيفاً …
وعبرت الغربان داخل الفيلا..
اندفعت عبر المدخنة و النوافذ المفتوحة و انتشرت والعجيب أن الزواحف لم تهاجمها وكأنها صارت صديقة ومن النافذه عبر القط و لازم بسام كخياله …
– مروان أيها القاتل .. لن تفلت مني
صاح بسام بالعبارة فلم يجاوبه سوى خفقان الأجنحة و فحيح الأفاعي .
وفجأة انطلقت رصاصة مرت فوق رأس بسام فانحنى بسام و اختبأ خلف كرسي ضخم و هو يرى مروان واقفاً أعلى سلم الفيلا المؤدي للطابق الثاني ..
كان يرتدي حلة غريبة وكأنها من أزياء الفضاء.
– سأقتلك أيها الشيطان حتي لو فقدت حياتي بعدها
صاح مروان بالعبارة ..
و هجمت الأفاعي و العقارب ..
ووقف مروان يضحك و صاح :
– هذا زي خاص من أزياء مقاومة لسعات النحل لن تؤثر زواحفك فيه أبداً ..
وتذكر بسام هذا الزي .. كان قد رآه في التلفاز و رجل يرتديه و يقف بين النحل دون أن يؤثر فيه .
وفكر بسام .. هذا الزي سيحميه من أشياء كثيرة ..
وانطلقت رصاصة أخرى اخترقت الكرسي و عبرت بجانب رأسه ..
وانقضت الغربان بصوتها الكريه علي مروان .
وظلت تنقر في الزي بلا جدوى ..
و غمغم بسام :
– اللعنة .. هذا الزي قوي للغاية
و شاهد مروان و هو يتناول سيفاً بتاراً و يلوح به يميناً و يساراً و الغربان تتساقط مقتوله إثر اصابتها .. و صدر من عقله أمر بأن يبتعدوا .. ماكان ليسمح بقتل مخلوق أبداً .. ورأى مروان و هو يهبط السلالم تجاهه حاملاً سيفه و بندقيته ..
– لقد اقترب أجلك يا فتى ..
و بحث بسام في عقله عن مخرج ..
وانطلق أمر بصيغة أخرى من عقلة ..
ووجد مروان الزواحف تسد عليه الطريق فرفع سيفه عازماً على قتلها .. و فجأة شعر بنفسه يطير في الهواء فإتسعت عيناه رعباً و ذهولاً وشعر بأن الغربان تجذبه من زيه الى أعلى ..
عشرات الغربان تشبثت بزيه و رفرفت بأجنحتها بقوة ليرتفع جسده الى أعلي قرابة الأربع أمتار .. ثم تركته الغربان ليهوى في الفراغ وهو يطلق صرخة رعب هائلة و يرتطتم جسده بالأرض في عنف .. واندفع بسام من خلف الكرسي و طوح بالبندقية بعيداً و أمسك السيف ورفعه لأعلى .
– هيا .. اقتلني أيها الشيطان .. لاتتردد أيها الجبان
قالها مروان من بين آلام السقوط و هو يحاول النهوض وتردد بسام و صاح وهو يرمي السيف أرضاً.
– انا لست بقاتل .. لكنك لن تفلت بفعتلك ..
ومد يده وفتح الزي ..
واتسعت عينا مروان رعبا ..
واخترقت الزواحف الزي المنيع .. وانطلقت صرخات مروان و الأفاعي و العقارب تمارس عملها التي خلقت له منذ الأزل ..
اللسع و اللدغ ..
************************************
اندفع بسام داخل الغرفه التي ترك فيها أمه ليجد الرجل ذو الجلباب منكمشاً في ركنها وأمامه جلس عشر قطط تمنعه من التحرك ..
انحني عليها ووضع أذنه علي أنفها فوجدها تتنفس
– هل تستطيع قيادة سيارة .
قالها بسام بصرامه فقال الرجل في رعب :
– أستطيع يا بك ..
نهض بسام وقال :
– احملها برفق وقدنا الى اقرب مستشفى .. وإياك و الخداع وإلا ..
قاطعه الرجل وهو يلوح مرتعداً :
– لن أخدعك يا بك أقسم لك ..
و نهض و انحنى عليها و حملها و خرج من الغرفة وفي عقبه القطط الحارسة ووقف بسام علي باب الغرفة و نظر لصبحي الفاقد الوعي وقال :
– لو كان الأمر بيدي لمزقتك إرباً ..
وانصرف لينقذ أمه ..
قبل فوات الأوان …
********************************
– الرصاصة أصابت كتفها واخترقته لحسن الحظ .. و نقلنا لها ما فقدته من دماء ..
قالها الطبيب لبسام الذي لم يستطع كبح دموعه
– أشكرك يا سيدي .. أشكرك كثيراً
قال الطبيب :
– لقد تحفظت الشرطه على الرجل لاستجوابه .. لكنه يقص عليهم قصه خيالية عن قطط هاجمت الجميع و تسببت فيما حدث
قال بسام:
– أريد أن أراها ..
قاده الطبيب لحجره ذات زجاج سميك شاهد بسام من خلاله أمه نائمة علي الفراش متصلاً بجسدها عدة أجهزة طبية
وتركه الطبيب و سار مبتعداً وهو يلاحظ مجموعة من القطط منتشرة على مبعدة في الطرقة الطويلة .
– ما كل هذا العدد من القطط ..
و ذهب عازماً التحدث الى عمال النظافة ليهتموا بهذه المسألة الخطيرة .. فوجود قطط يسيء الى سمعة مستشفاه الخاص .
أما بسام فقد انفصل عن العالم و تركزت كل مشاعره تجاه أمه ..
كا يعلم أن الأمر لم يمر .. سرعان ما ستجد الشرطه جثه مروان ..
و هناك ثرثره الرجل ذو الجلباب ..
الفيديو المنتشر لمعركته مع حامد و رضا ..
حتماً سيجد من يفهم أنه يتواصل مع المخلوقات لكن كل هذا لا يهمه ..
وغمغم محدثاً أمه من خلف الزجاج :
-ارتاحي يا أمي.. لقد انتقمت لك ..
وعادت دموعه تنهمر ..
دموع سعادته بنجاة أمه .

 

Related Posts
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *

Instagram
Telegram
WhatsApp