سيتم في هذا المقال عرض نظرية التلقي من وجهة نظر الكاتب و الناقد (هانز
انطلقت نظرية التلقي من ألمانيا، من جامعة كونستانس على يد كل من (هانز جاوس) و (ولفجان أيزر)، وهما من وضع مرتكزات نظرية التلقي.
وفي ضوء هذه النظرية يمكن تعريف عملية التلقي: بانها عملية مقابلة للإبداع تجعل من المتلقي مبدع آخر للنص الأدبي، ومن هنا تتطلب نظرية التلقي وجود قارئ متميز ذو ثقافة عميقة، وخبرة طويلة تتيح له سبر أغوار النص الأدبي، والوقوف على أسراره وجماليته.
أن نظرية التلقي لم تأتي من فراغ ولكنها استمدت أصولها من بعض النظريات والمدارس والفلسفات، مثل المدرسة الشكلية، والفلسفة الظاهرانية، والنظرية التأويلية وغيرها.
وتوجد اربع مصطلحات مهمة لنظرية التلقي: وهي أفق التوقعات، المسافة الجمالية، ملء الفجوات، و القارئ الضمني.
١ – أفق التوقعات :
هو مجموعة التوقعات الأدبية و الثقافية التي يتسلح بها القارئ في تناوله للنص الأدبي، معناه ان المتلقي سواء كان قارئ أو متفرج على عرض مسرحي ، قبل أن يقرأ أو يشاهد العمل المسرحي، يجب أن تكون له مجموعة من التوقعات للعمل، و مع بداية تلقيه للعمل يبدا في إنشاء حوار بين توقعاته المسبقة للعمل و بين ما يقدمه العمل بالفعل ، أي معطيات العمل الفعلية التي تسمى أفق النص ، و من هنا يوجد نوعان من الأفق، أفق النص و أفق توقعات المتلقي ، وبهذا اما يحصل توأفق بيت الأفقين، وهنا يشعر القارئ أو المتلقي بالرضا و الارتياح، أما إذا كان العمل لم يأتي بجديد ، فهنا تحدث صدمة للمتلقي لأن أفق النص عارض أفق توقعات المتلقي، وهنا يحدث أو يتولد تغيير لأفق توقعات المتلقي لتتماشى مع أفق النص ، وهذه العملية تساهم في أمرين مهمين وهما : أولا: التأثير الجمالي للنص على المتلقي و الآخر يساعد في تسطير تاريخ الأدب.
حيث هانز جاوس يقول: أنه يحصل تغيير لأفق التوقعات لكي يبدأ المتلقي في الانسجام مع الأفق الجديد من جهة، ومن جهة ثانية تحدث صدمة لدى المتلقي نتيجة عدم تطابق أفق التوقعات مع أفق النص، هذه الصدمة تؤدي إلى تسطير تاريخ جديد للأدب.
حيث أن الكتابة الأدبية الحديثة مرت بمراحل عديدة من أهمها الواقعية، الملحمية، اللامعقول أو العبثية.
فمثلا في عصر من العصور، كان الأدب الواقعي هو المسيطر، وأن أي متلقي داخل عرض مسرحي، هو داخل بأفق توقعات المسرح الواقعي، أي أن المتلقي يتوقع أن يرى مسرحية واقعية، ولكن عند بدء العرض يكتشف المتلقي أن المسرحية عبثية، وبذلك يحصل للمتلقي صدمة لأفق توقعاته، حيث أن أفق توقعاته لم يتطابق مع أفق توقعات النص، هذه الصدمة تؤدي إلى أمرين:
الاول: أنها ساهمت في تغيير المتلقي لأفق توقعاته لكي يتلائم مع أفق توقعات النص لكي ينسجم معه ويتقبله، والثاني انه تم تسطير تاريخ جديد للأدب.
هانز جاوس يذكر أن تاريخ الأدب تم تسطيره بهذا الشكل، عن طريق عدة مراحل، منها: أفق توقعات معين، كسر لأفق توقعات، وتغيير لأفق التوقعات.
- الأستاذ حامد حبيب يكتبــ: الاستعارةُ الأصليَّةُ والاستعارةُ التَّبَعيَّة
- فدوى العبود تكتبـــ: مراجعة كتاب أنطولوجيا الفعل ومشكلةُ البينذاتيّة “نحـــــــوَ تجاوز ثنائيّة الروح والجسد”
هانز جاوس اقتبس مصطلح أفق التوقعات من آراء الناقد الألماني (هانز جورج كادامير Hans -Georg Gadamer)، وهو من رواد النظرية التأويلية، عندما طرح فكرة (الفهم المسبق) ضمن طرحه لمفهوم التأويل، حيث هنالك ثلاث عوامل أساسية تساهم في تكوين أفق التوقعات عند المتلقي، وهم التجنيس، والتناص، والتخييل.
١ – التجنيس: المتلقي قبل دخوله لاي جنس أدبي، فهو لديه فكرة مسبقة عن هذا الجنس، سواء كان نصا مسرحيا، روائيا، أو شعريا، أي لديه فكرة عن مكوناته وسماته، هذه الفكرة تولد لديه أفق توقعات للذي سيشاهده أو يقرأه.
٢ – التناص: هو شكل الأعمال المسبقة والمعاصرة وموضوعاتها، ومشاهدة الأعمال المماثلة للعمل الذي سيتلقاه المتلقي، وكل هذا يولد لديه أفق توقعات معين قبل مشاهدته أو قراءته.
٣ – التخييل: معناه معرفة المتلقي أن لغة الأدب مغايرة للغة الحياة اليومية، لغة غير مألوفة تعتمد على الخيال، وقد استمد هانز جاوس هذه النقطة من المدرسة الشكلية التي تنادي بأدبية الأدب، يعني الأدب له لغة خاصة به غير مألوفة مختلفة وغريبة عن لغة الحياة العادية وهذا ما يعطي الأدب قيمته.
علما أن هناك مستويات لأفق التوقعات، أفق توقعات ثابت ببداية عملية التلقي يكون موجود لدى المتلقي قبل مشاهدة أو قراءة النص الأدبي، ومستوى آخر يتولد أثناء عملية التلقي، وبعض النقاد يطلق عليه اسم (أفق التوقعات الدرامي).
أن أفق التوقعات عند أصحاب نظرية التلقي يخلق نوعا من التأثير الجمالي بين النص والمتلقي، أي حالة من التفاعل تعطي للمتلقي دورا ايجابيا، وتجعل منه عنصرا مشاركا في عملية صنع الأحداث بشكل أو بآخر، وهذا يؤدي إلى مصطلح آخر من مصطلحات نظرية التلقي هو المسافة الجمالية.
البقية في الجزء الثاني.
(*) المصدر: محاضرة د. إبراهيم حجاج- بتاريخ ١ ديسمبر عام ٢٠٢٠.
عبد الكريم حمزة عباس